للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الأعمال والأحوال المقربة نحو التوحيد الإلهي

قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا وما تنكرون علينا وما تستهزؤن بنا وما حواكم وحملكم على الانتقام والاستهزاء إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ المتوحد المتفرد بذاته المتجلى على عموم الآفاق والأنفس بكمال الإطلاق والاستحقاق وَآمنا ايضا بجميع ما أُنْزِلَ إِلَيْنا لتبيين توحيده وَكذا قد آمنا بجميع ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ من الكتب الإلهية على الرسل الماضين لهداية طريق الحق وَايضا من جملة ما بعثكم على الانتقام علمنا بكم أَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ خارجون عن منهج الايمان وجادة التوحيد والعرفان حقيقة ولا تظهرونه خشية وخوفا ولهذا تستهزؤن مع اهل الحق خفية تجاهلا وتغافلا وحفظا لجاهكم ورئاستكم

قُلْ لهم يا أكمل الرسل تبكيتا وإلزاما هَلْ أُنَبِّئُكُمْ وأخبركم بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ الذي أنتم تنقمون منه وتنكرون له مكابرة مَثُوبَةً عائدة وجزاء مرتبا عليه ثابتا عِنْدَ اللَّهِ العليم الحكيم قبحه وشرارته ديدنة مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ المنتقم الغيور وطرده من ساحة عزه وقبوله وَغَضِبَ عَلَيْهِ حيث أخرجه عن مرتبة خلافته ونيابته وَكيف لا قد جَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ المنعزلة عن درك الحق ومعرفته وَجعل ايضا منهم من عَبَدَ الطَّاغُوتَ اى الاهوية الباطلة المصلة عن الاهتداء الى طريق الحق وبالجملة أُولئِكَ المطرودون المغضوبون الممسوخون عن مقتضى الانسانية شَرٌّ مَكاناً منزلة ومكانة عند الله وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ الذي هو الاعتدال الإنساني المنعكس عن الاعتدال الإلهي

وَبالجملة إِذا جاؤُكُمْ ايها المؤمنون أولئك المراؤون المعاندون مدعين محبة لكم ولدينكم مداهنة ونفاقا حيث قالُوا آمَنَّا بنبيكم وبجميع ما جاء به من عند ربه لا نبالوا بهم وبايمانهم ولا تصاحبوا معهم وَالحال انه قَدْ دَخَلُوا حين دخلوا عليكم ملتبسين بِالْكُفْرِ والإصرار وَهُمْ ايضا قَدْ خَرَجُوا بِهِ كما كانوا بل ما زادوا الا إصرارا بعد صرار وعنادا فوق عناد وان أظهروا خلافه وَاللَّهُ المطلع لضمائر عباده أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ من الكفر والنفاق وبغض رسول الله والذين آمنوا معه

وَتَرى ايها الرائي كَثِيراً مِنْهُمْ اى من اليهود والنصارى يُسارِعُونَ ويبادرون فِي الْإِثْمِ اى الخصلة الذميمة عقلا وشرعا وَالْعُدْوانِ اى الظلم المتجاوز عن الحدود الشرعية وَلا سيما أَكْلِهِمُ السُّحْتَ اى الحرام والله لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ اى بئس شيأ ما يكسبونه لأنفسهم من الأمور المستجلبة لأنواع العذاب والنكال

ثم قال سبحانه لَوْلا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ اى هلا يمنعهم المنسوبون الى الرب العائدون له وَالْأَحْبارُ العالمون بسرائر الأمور وحكمها على زعمهم عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ افتراء على الله وعلى كتابه وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ زاعمين اباحته والله لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ اى لبئس شيأ صنيعهم هذا برأيهم الفاسد وعقلهم القاصر الكاسد

وَمن غاية جهلهم بالله ونهاية غفلتهم من مقتضيات أوصافه قالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ مقبوضة يقتر بالزرق وانما قالوا ذلك حين فقدوا البسطة والرخاء الذي كانوا فيه قبل تكذيبهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال سبحانه في جوابهم دعاء عليهم قد غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ عن عموم الخيرات والمبرات بضرب الذلة والمسكنة عليهم في الدنيا وفي الآخرة بالاغلال والسلاسل يسبحون نحو النار وَأعظم منها انهم قد لُعِنُوا وطردوا عن المرتبة الانسانية بِما قالُوا اى بقولهم هذا على الله الكريم مع انه لا يليق بجنابه العظيم وبشأنه الأعلى بَلْ يَداهُ اى أوصافه اللطفية والقهرية

<<  <  ج: ص:  >  >>