للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتعطيل أعضائه وجوارحه عن مقتضيات الأوصاف البشرية والقوى الحيوانية وعن جميع لوازم التعينات الجسمانية والروحانية والغيبية والشهادية والظاهرية والباطنية مطلقا وبالجملة عن عموم الإضافات والكثرات الحاجبة لصرافة الوحدة الذاتية المستهلك دونها جميع ما يتوهم من أشباح الاظلال والعكوس والأمثال لذلك صار الموت الإرادي أشد في الانمحاء وأغرق في الفناء من الموت الصوري عند العارف المكاشف المشاهد إذ منتهى الأمر في الموت الإرادي والفناء الاختياري الى العدم الصرف والفناء المحض المطلق الذي ما شم رائحة الوجود أصلا فكيف تخلل الموت والحيوة والوجود والعدم للوجود الأزلي الأبدي والبقاء السرمدي الذي لا يعرضه الموت والفوت مطلقا تاهت في بيداء صمديتك انظار العقل واراؤه

واعلموا ايها الأحرار المكلفون بشعائر الحج وأركانه انما جَعَلَ وصير اللَّهِ الحكيم المستغنى بذاته عن عموم الأمكنة والجهات وعن الحلول فيها مطلقا الْكَعْبَةَ المكعبة المعينة في ارض الحجاز الْبَيْتَ الْحَرامَ اى المكان الذي يحرم فيه اكثر ما يحل في غيرها من الأمكنة بل جميعها عند العارف ليكون قِياماً لِلنَّاسِ اى محلا يقومون بها ويتيقظون بأركانها ومناسكها ويتنبهون بآدابها ومشاعرها عن منام الغفلة ورقود النسيان وَكذا قد صير سبحانه الشَّهْرَ الْحَرامَ ميقاتا واوانا لزيارتها وطوافها ليقوموا فيها بتهيئة اسباب الفناء وتخلية الضمير عن الميل الى الغير والسوى مطلقا وَايضا قد عين سبحانه فيها الْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ يعنى الذبائح والقرابين جبرا لما انكسر من رعاية نسكه وآدابه لئلا يتقاعدوا عن إتمامها ذلِكَ اى جعلها وتصييرها مرجعا لقاطبة الأنام وقبلة لهم بحيث يجب عليهم التوجه نحوها من كل مكان سحيق وفج عميق انما هو لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ المحيط بذرائر الأكوان يَعْلَمُ بعلمه الحضوري عموم ما فِي السَّماواتِ اى علويات الأعيان الثابتة وَما فِي الْأَرْضِ اى سفليات عالم الطبائع والأكوان وَلتعلموا ايضا أَنَّ اللَّهَ المنزه المتعالي عن ان يحاط بتجلياته ومجاليه بِكُلِّ شَيْءٍ مما استأثر الله باطلاعه إذ ما يعلم جنوده الا هو عَلِيمٌ بحيث لا يعزب عن علمه وحضوره شيء. كلت الألسن عن تفسير صفتك وانحسرت العقول عن كنه معرفتك فكيف يوصف كنه صفتك يا رب سيما بلسان عبادك

وبالجملة اعْلَمُوا ايها المكلفون المتوجهون نحو الحق وزيارة بيته أَنَّ اللَّهَ المطلع باعمال عموم عباده وبنياتهم فيها شَدِيدُ الْعِقابِ صعب الانتقام اليم العذاب على من تساهل وتكاسل فيها فعليكم ان لا تغتروا بامهاله بمقتضى لطفه وجماله بل احذروا عن سطوة سلطنة قهره وجلاله وَاعلموا ايضا أَنَّ اللَّهَ المصلح لأحوال عباده غَفُورٌ ستار لذنوبهم رَحِيمٌ لهم يرحمهم بمقتضى جماله ونواله يعنى عليكم ان تكونوا مقتصدين معتدلين بين طرفي الخوف والرجا لتكونوا من زمرة عباده الشاكرين وان جادلوا معك يا أكمل الرسل وعاندوك يعنى اهل البدع والأهواء الفاسدة في هذه الإلهامات والاخبارات الإلهية المترشحة من بحر الحكمة لا تبال بهم ولا بمعاندتهم ومعاداتهم بل قل لهم قولا صادرا عن محض الحكمة

ما عَلَى الرَّسُولِ الهادي للخلق الى الحق باذنه إِلَّا الْبَلاغُ والتبليغ على الوجه المأمور والأسماع والقبول مفوض الى الله والتوفيق من لدنه وَاللَّهُ المطلع لضمائركم يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ تظهرون وتعلنون من الايمان والإطاعة وَما تَكْتُمُونَ وتخفون من الكفر والبدعة

قُلْ لهم يا أكمل الرسل على سبيل العظة والتذكير لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ عند الله وَلَوْ أَعْجَبَكَ ايها المعتبر المتعجب كَثْرَةُ الْخَبِيثِ إذ لا عبرة بالقلة والكثرة

<<  <  ج: ص:  >  >>