للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تُكَلِّمُ النَّاسَ حال كونك صبيا محبوسا فِي الْمَهْدِ وَايضا حال كونك كَهْلًا على السوية بلا تفاوت يعنى قد جعلت لك جميع كمالاتك بالفعل في عموم اوقات وجودك بلا تفاوت بين طفولتك وكهولتك وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ اى التدابير المتعلقة لظواهر الشرع وَالْحِكْمَةَ المتعلقة لبواطنها واسرارها وَالتَّوْراةَ الجامعة بين الظاهر والباطن والحكم والاحكام وَالْإِنْجِيلَ الغالب فيه ما يتعلق بالباطن وَإِذْ تَخْلُقُ اى تصور وتقدر أنت مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي اى بمقتضى امرى وتعليمي إياك فَتَنْفُخُ فِيها من روحي الذي قد أيدتك به ونفخته فيك فَتَكُونُ طَيْراً طائرا قد طارت بِإِذْنِي وَإذ تُبْرِئُ وتبصر أنت الْأَكْمَهَ المكفوف العينين بإلقاء ريقك في عينيه وَإذ تشفى الْأَبْرَصَ ايضا بدعائك له بِإِذْنِي وَأعظم من الكل إِذْ تُخْرِجُ أنت بإعانة منا لك الْمَوْتى القديمة من قبورهم وتحييهم بتعويذك عليهم ونداءك إياهم بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ ومنعت شر بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ وقت إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ الواضحات والمعجزات الباهرات فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ من خبث باطنهم إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ وما هو الا ساحر عليم

وَإِذْ أَوْحَيْتُ وألهمت إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي عيسى بن مريم قالُوا عن صميم فؤادهم آمَنَّا بك وبرسولك وَاشْهَدْ أنت يا ربنا بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ منقادون بدينك ونبيك نستودع عندك يا ربنا هذه الشهادة الى وقت الحاجة

اذكر إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ لك حين أرادوا الترقي من مرتبة العلم الى العين يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أضافوه اليه لتحققه في مرتبة العين والحق أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً رزقا معنويا حقيقيا مِنَ السَّماءِ اى من جانب العلو الذي هو مرتبة العين والحق فلما سمع عيسى منهم ما سمع ايس منهم فقطع أمرهم واوجس في نفسه خيفة من الله العزيز الغيور لأنهم ليسوا في تلك الحالة مستعدين للكشف والشهود لذلك قالَ عيسى اتَّقُوا اللَّهَ المتعزز بكمال العظمة والكبرياء عن أمثال هذه الأسئلة إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ موقنين بكمال قدرته وارادته واختياره واستقلاله بالتصرف في ملكه وملكوته

قالُوا معتذرين ملتجئين نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ اى نذوق ونستغذي مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا وتتمكن أقدامنا في جادة توحيد ربنا وَنَعْلَمَ يقينا عينيا أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا في جميع ما أرشدتنا وهديتنا وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ اى من اهل الشهود والحضور بلا حجاب العلم في البين فلما أحس عيسى ابتلاء الله وافتتانه إياهم بادر الى المناجاة مع الله

حيث قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً فرحا وسرورا لِأَوَّلِنا اى متقدمينا وَآخِرِنا اى متأخرينا وَتكون آيَةً نازلة مِنْكَ ننكشف بها بتوحيدك زيادة انكشاف وَارْزُقْنا من لدنك حظا يخلصنا من ظلام اظلالنا وغيوم هوياتنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ على من سبقت عنايتك من عبادك

قالَ اللَّهُ المطلع لاستعداداتهم إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ وان لم تكونوا قابلين لها فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ اى بعد نزولها مِنْكُمْ فَإِنِّي بعزتي وجلالي وبكمال حولي وقوتي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ اى لا أعذب مثله أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ فكفروا بعد ذلك فمسخوا عن لوازم الانسانية بالمرة وردوا الى مرتبة أرذل الحيوانات واخبثها العياذ بالله من غضب الله

وَاذكر إِذْ قالَ اللَّهُ المتعزز بكمال العظمة والكبرياء حين فشا غلو النصارى في حق عيسى وامه ونسبتهما الى الألوهية وقولهم بالتثليث والأقانيم والحلول والاتحاد معاتبا مخاطبا

<<  <  ج: ص:  >  >>