للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَجَلٌ مُسَمًّى مقدر عِنْدَهُ لفنائكم الحقيقي فيه سبحانه في النشأة الاخرى ثُمَّ أَنْتُمْ بعد ما علمتم وتحققتم منشأكم ونشأتكم الاولى الصورية تَمْتَرُونَ تشكون وترددون في النشأة الاخرى المعنوية الحقيقية جهلا وعنادا

وَكيف تشكون فيها ايها الشاكون الجاهلون مع انه هُوَ اللَّهُ القادر المقتدر المتوحد المتفرد المتجلى فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ بكمال الاستقلال والاستيلاء يَعْلَمُ منكم بعلمه الحضوري سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ من خير وشر ونفع وضر في نشأتكم الاولى

وَمن امارات كفرهم وسترهم وامترائهم ومرائهم ما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ عظيمة دالة على توحيد الحق بلسان رسول من الرسل العظام مع انها قد كانت مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ المتوحد في الربوبية إِلَّا كانُوا من غاية كفرهم وجهلهم عَنْها مُعْرِضِينَ

ومن غاية اعراضهم والحادهم عن طريق الرشد فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ المطابق للواقع الذي هو القرآن الجامع لَمَّا جاءَهُمْ بلسان من هو أعلى مرتبة ومكانة عند الله وأكمل دينا وأقوم طريقا فكذبوه واستهزؤا به فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ وسيظهر لهم في النشأة الاولى والاخرى أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ واخبار ما يفترون لأنفسهم حين نزول العذاب عليهم في الدنيا بضرب الذلة والمسكنة المستمرة والجزية والصغار المؤبد وفي الآخرة بالعذاب والنكال المخلد

أَيشكون في نزول العذاب الآجل والعاجل ويترددون فيه أولئك الشاكون المترددون ولَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ من اهل القرون الماضية كعاد وثمود وغيرهما مع انا قد مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ وقررناهم فيها قادرين على امور عظام وآثار جسام ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ ولم نجعل في وسعكم من السعة وطول المكث والترفه والاستيلاء التام وكمال البسطة والرخاء وَمع ذلك أَرْسَلْنَا السَّماءَ اى المطر عَلَيْهِمْ مِدْراراً مغرارا كثيرا وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ دائما متجددا تتميما لترفههم وتنعمهم وبالجملة امهلناهم زمانا طويلا كذلك فَأَهْلَكْناهُمْ بعد ذلك بِذُنُوبِهِمْ التي صدرت عنهم من تكذيب الأنبياء وبعموم ما جاءوا به من لدنا وافسادهم في الأرض بأنواع الفسادات وَبعد ما استأصلناهم بالمرة قد أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ

وَبالجملة لا تبال يا أكمل الرسل بتكذيباتهم واقتراحاتهم ولا ترج منهم الايمان بك وبكتابك لأنهم من غاية انهماكهم في الغي والضلال لَوْ نَزَّلْنا من مقام جودنا عَلَيْكَ كِتاباً مكتوبا فِي قِرْطاسٍ ورق فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ حين نزوله لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا من خبث بواطنهم وجهلهم الجبلي إِنْ هذا اى ما هذا الذي جئت به إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ عظيم ظاهر سحريته وكذبه إذ الورق لا تنزل من السماء الا بسحر

وَايضا قالُوا من شدة شقاقهم ونفاقهم معك يا أكمل الرسل ان كان هذا المدعى نبيا لَوْلا وهلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ يصدق نبوته فنصدقه قل لهم في جوابهم نيابة عنا وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً على مقتضى سنتنا في الأمم الماضية لَقُضِيَ الْأَمْرُ اى لتحقق امر إهلاكهم البتة إذ ما ننزل الملك الا للاهلاك والتعذيب بمقتضى سنتنا المستمرة في الأمم الماضية ثُمَّ بعد نزول الملك لينكرون له ويكذبونه البتة وبعد ذلك لا يُنْظَرُونَ ولا يمهلون ساعة بل يعذبون كالأمم السالفة

وَايضا لَوْ جَعَلْناهُ اى الرسول المنزل إليهم مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا اى على صورته إذ لا يمكن للبشر ان يرى الملك على صورته لمهابته لذلك ما جاء جبرائيل عليه السّلام على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الا على صورته دحية الكلبي رضى الله عنه وَايضا لم يمكنهم الاستفادة منه لعدم الجنسية وان أنزلنا

<<  <  ج: ص:  >  >>