للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحيلتهم للخلاص إِلَّا أَنْ قالُوا مقسمين معتذرين وَاللَّهِ رَبِّنا وبحقك يا مولانا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ لك غيرك عابدين لسواك

انْظُرْ ايها المعتبر الرائي كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ في مقعد الصدق ومحل اليقين وَانظر ايضا كيف ضَلَّ عَنْهُمْ وغاب عن نظرهم ما كانُوا يَفْتَرُونَ به على الله من الشركاء الذين يعتقدون انهم شفعاء عند الله يخلصونهم من عذاب الله

وَمِنْهُمْ اى من جملة أولئك المشركين المعتذرين مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ يا أكمل الرسل حين تلاوتك القرآن وهم وان لم يفهموه قد أنكروا عليه واستهزؤا به عنادا ومكابرة كيف يفهمونه وَقد جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً اى اغطية واغشية كثيفة كراهة أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وصمما يمنع عن استماعه وَمن غاية انكارهم وعنادهم إِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ دالة على توحيد الحق وتمجيده لا يُؤْمِنُوا بِها عنادا ومكابرة حَتَّى إِذا جاؤُكَ من افراط عتوهم وعنادهم يُجادِلُونَكَ في آيات الله بما لا يليق بشأنها حيث يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا سترا للحق وترويجا للباطل إِنْ هذا اى ما هذا الكتاب الذي اتى به محمد إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ وأكاذيبهم القديمة انما سطروها لتضليل ضعفاء العوام

وَهُمْ بهذا الطعن والقدح يَنْهَوْنَ عَنْهُ اى يقصدون إضلال المسلمين عن متابعة الرسول والايمان به وبكتابه وَلكن لا يعلمون انهم في أنفسهم يَنْأَوْنَ عَنْهُ اى يبعدون عنه وعن هدايته عتوا واستكبارا وَإِنْ يُهْلِكُونَ اى ما يهلكون بهذا التضليل والخداع إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ ان ضرر اضلالهم وخداعهم لا يتجاوز عنهم لأنهم هم قد ختم الله العليم الحكيم على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم في الدنيا والآخرة

وَلَوْ تَرى ايها الرائي إِذْ وُقِفُوا اى حين أشرفوا عَلَى النَّارِ وتحققوا الوقوع والإيقاع عنوة وعنفا لرأيت امرا فظيعا فجيعا فَقالُوا حينئذ من غاية تفزعهم وتفجعهم متمنين يا لَيْتَنا نُرَدُّ على أعقابنا التي قد كنا فيها وَلا نُكَذِّبَ يومئذ بِآياتِ رَبِّنا التي قد جاءتنا فيها فكذبناها عتوا واستكبارا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ المصدقين بمن جاءنا بها

بَلْ بَدا وظهر لَهُمْ ومنهم حينئذ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ من حقية الكتب والرسل عنادا واستكبارا فتمنوا حين البأس واليأس ضجرا لا عزما صادقا صحيحا بحيث لو ردوا لآمنوا البتة بل وَالله لَوْ رُدُّوا اى لو فرض ردهم الى الدنيا بعد علمهم ووقوفهم على اهوال الآخرة لما آمنوا ايضا بل لَعادُوا ورجعوا البتة من خبث طينتهم لِما نُهُوا عَنْهُ يعنى الى الكفر ايضا عنادا ومكابرة وَبالجملة إِنَّهُمْ في هذا التمني ايضا لَكاذِبُونَ البتة لكون جبلتهم واصل فطرتهم على الكذب لا يزول عنهم أصلا

وَكيف لا يكونون مجبولين على فطرة الكذب والعناد إذ هم قالُوا من خبث بواطنهم حين دعاهم الرسول الى الايمان بالله وباليوم الآخر إِنْ هِيَ اى ما الحيوة إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا اى التي كنا عليها فيها وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ من قبورنا كما زعم هؤلاء السفهاء

وَلَوْ تَرى ايها المعتبر الرائي إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ اى حين وقفوا وصفوا عند ربهم ليحاسبوا بما عملوا لرأيتهم حيارى سكارى مضطرين مضطربين قالَ لهم حينئذ سبحانه من وراء سرادقات العز والإجلال تقريعا وتوبيخا أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ ايها الحمقاء الكافرون المكذبون به قالُوا بعد ما كوشفوا وعوينوا معتذرين متفجعين مصدقين مقسمين بَلى وَرَبِّنا قد آمنا به وصدقنا قالَ سبحانه منكرا عليهم مقرعا الآن لن ينفعكم ايمانكم ايها المسرفون المفرطون فيما مضى

<<  <  ج: ص:  >  >>