للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وتكذبون به في النشأة الاولى التي هي دار الفتن والاختبار. ثم قال سبحانه توبيخا لهم وتقريعا

قَدْ خَسِرَ وخاب خيبة ابدية الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ المتجلى في عموم الأنفس والآفاق بكمال الاستقلال والاستحقاق سيما بعد نزول الآيات الدالة عليه وارشاد الرسل والأنبياء والأولياء لهم اليه حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ المعدة للعرض والجزاء بَغْتَةً فجاءة قالُوا بعد ما انكشفوا به وتيقنوا له متحسرين خائبين خاسرين يا حَسْرَتَنا كلمة تحسر وتأسف عَلى ما فَرَّطْنا فِيها اى في النشأة الاولى من الإنكار والتكذيب وعدم الايمان وَهُمْ في تلك الحالة يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ وآثامهم اى وبالها وما يترتب عليها عَلى ظُهُورِهِمْ خائبين محرومين عن مطالعة وجه الله الكريم أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ أولئك البعداء الوازرون المفرطون في الدنيا ويحرمون به في العقبى عن لقاء المولى

وَبالجملة مَا الْحَياةُ الدُّنْيا التي هم يحصرون الحيوة عليها ويحرمون أنفسهم عن الحيوة الحقيقية لأجلها إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ يلعب بهم ويلهيهم ويشغلهم عن الحيوة الازلية الابدية السرمدية وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ وحياتها الحقيقية ولذّاتها المعنوية خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ عن محارم الله ومنهياته في الحيوة الصورية أَفَلا تَعْقِلُونَ ولا تميزون ايها العقلاء المميزون بين الحياتين ولا تعلمون اى اللذتين خير لكم وألذ عندكم وأدوم دونكم.

ثم قال سبحانه قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ اى الشان لَيَحْزُنُكَ ويؤذيك القول الَّذِي يَقُولُونَ في حقك يا أكمل الرسل أولئك المعاندون المكابرون من انك كاذب ساحر مجنون شاعر وغيرها لا تبال بهم وبقولهم فَإِنَّهُمْ في الحقيقة لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ الخارجين عن حدود الله المنصرفين عن مقتضى أحكامه بِآياتِ اللَّهِ المنزلة عليك من عنده سبحانه لهداية التائهين من عباده يَجْحَدُونَ ينكرون ويعاندون جحودا وعنادا على سبيل الإصرار والاستكبار وبالجملة فاصبر على أذاهم يا أكمل الرسل الى ان يحل عليهم غضب من الله المنتقم الغيور

وَالله يا أكمل الرسل لَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ مثل ما كذبت أنت فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا الذي قد وعدناهم ونصرناهم وانتقمنا لهم عن عدوهم فكانوا هم الغالبين المقصورين على الغلبة والنصر وَبالجملة لا تيأس من نصر الله وتأييده لك من امهال الله إياهم إذ لا مُبَدِّلَ ولا محول لِكَلِماتِ اللَّهِ المنتقم المقتدر التي قد سبقت منه سبحانه لنصر أنبيائه ورسله وَكيف تيأس أنت وتقنط لَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ ومن قصصهم وحكاياتهم المشهورة المعروفة ما يكفيك عن التردد فيه

وَإِنْ كانَ قد كَبُرَ وشق عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ عن الايمان والانقياد لك وضاق صدرك وقل صبرك من عدم ايمانهم بك وحضورهم عندك فَإِنِ اسْتَطَعْتَ من غاية حرصك لإيمانهم وانقيادهم أَنْ تَبْتَغِيَ وتطلب أنت نَفَقاً ومنفذا فِي الْأَرْضِ وتأتى اليه أَوْ سُلَّماً ومرقاة فِي السَّماءِ لتعرج نحوها فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ يعنى حتى تأتيهم بآية دالة على الجائهم الى الايمان فافعل على مقتضاها والا فاصبر حتى يأتى الله بامره من عنده إذ الأمور مرهونة بأوقاتها ومالك الا التبليغ وَبالجملة لَوْ شاءَ اللَّهُ الحكيم العليم هدايتهم لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ أنت مِنَ الْجاهِلِينَ بان الأمور كلها بيد الله واختياره يهدى من يشاء ويضل من يشاء فلا تحرص على ايمانهم وهدايتهم ولا تجتهد فيما لا يسع فيه جهدك وطاقتك لأنك لا تهدى من أحببت هذا تأديب من الله لرسوله وتنبيه منه عليه وأمثال هذا في القرآن كثيرة

<<  <  ج: ص:  >  >>