للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التوحيد وقابلياته الدالة عليه مبينة له كاشفة إياه بالنسبة الى ذوى العلوم اليقينية والمعارف اللدنية وَهُدىً يرشدكم الى مرتبة اليقين العيني وَرَحْمَةٌ جذبة نازلة بكم من ربكم تستر هويتكم عن عيون بصائركم وتفنيكم في هوية الحق وبالجملة لو امتثلتم بمقتضاها لصار علمكم عينا وعينكم حقا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ سيما بعد ما سمع أوصافها وخواصها من الله وَصَدَفَ اى صد واعرض عَنْها عنادا واستكبارا والله سَنَجْزِي حسب اسمنا المنتقم الَّذِينَ يَصْدِفُونَ ويعرضون عَنْ آياتِنا اعراضا وتكذيبا سُوءَ الْعَذابِ اى عذابا يسوءهم ويشتد عليهم بِما كانُوا اى بشؤم ما كانوا يَصْدِفُونَ ويعرضون عنها ويستنكفون عن قبولها عتوا وعنادا بلا حجة قطعية بل ظنية ايضا

وبالجملة هَلْ يَنْظُرُونَ يعنى اهل مكة وما ينتظرون وما يستوفون الايمان والإطاعة إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ اى ملائكة العذاب كما أتوا للأمم الهالكة فيلجئهم الى الايمان مع انه لا ينفعهم حينئذ ايمانهم أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ اى يطلبون إتيان ربك يا أكمل الرسل معاينة كما طلب اليهود من موسى صلوات الله عليه حيث قالوا أرنا الله جهرة أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ الدالة على انقضاء النشأة الاولى المسماة بأشراط الساعة وبالجملة يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لكونها ملجئة اليه حين اضطرارها ولا عبرة للايمان حين البأس والإلجاء إذ الايمان امر تعبدي برهاني اختياري مع ان مدة التلافي قد انقضت وهي لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ يعنى سيما النفس التي لم تكن آمنت حين الدعوة وقبل ظهور الملجئ أَوْ لم تكن كَسَبَتْ وان آمنت من قبل على طرف اللسان منتظرين فِي إِيمانِها خَيْراً عملا مقبولا عند الله مشعرا بايقانها واطمينانها فيه وبالجملة قُلِ يا أكمل الرسل للمنتظرين المسرفين استهزاء انْتَظِرُوا الى ما تخيلتم وتوهمتم لحوقه علينا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ ايضا الى حلول الوقت الموعود ونزول العذاب المعهود فيه عليكم بشؤم كفركم وشرككم.

ثم قال سبحانه إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ الذي يوصلهم الى التوحيد الإلهي بلا منازعة ولا مخالفة وَكانُوا شِيَعاً اى صاروا فرقا وأحزابا مختلفة متعصبة كما قال صلّى الله عليه وسلّم افترقت اليهود الى احدى وسبعين فرقة كلها في الهاوية الا واحدة وهي الناجية وافترقت النصارى الى ثنتين وسبعين فرقة كلها في الهاوية الا واحدة وهي الناجية وتفترق أمتي على ثلثة وسبعين فرقة كلها في الهاوية الا واحدة وبالجملة لَسْتَ أنت يا أكمل الرسل مِنْهُمْ اى من أمرهم وشأنهم وإصلاحهم فِي شَيْءٍ بل إِنَّما أَمْرُهُمْ وشأنهم مفوض إِلَى اللَّهِ المنتقم الغيور الحكيم حين عرضوا عليه وحشروا نحوه ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ ويخبرهم بِما كانُوا يَفْعَلُونَ في النشأة الاولى التي هي دار الابتلاء والاختبار

وبالجملة مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فيها فَلَهُ على مقتضى الفضل الإلهي عَشْرُ أَمْثالِها في النشأة الاخرى جزاء له وامتنانا عليه وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فيها فَلا يُجْزى فيها إِلَّا مِثْلَها بمقتضى العدل الإلهي وَهُمْ في جزاء السيئة لا يُظْلَمُونَ بالزيادة مثل زيادة الحسنة بالأضعاف والآلاف إذ لا ظلم في ذلك اليوم سيما من الله القائم على جادة العدالة

قُلْ يا أكمل الرسل المبعوث الى كافة البرايا إِنَّنِي مع كوني بشرا أمثالكم قد هَدانِي رَبِّي الذي رباني بأنواع اللطف والكرم إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ موصل الى توحيده الذاتي ولذلك آتاني من فضله دِيناً قِيَماً قويما مستقيما مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً مائلا عن عموم الأديان الباطلة والآراء الفاسدة وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>