للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من العذاب والنكال لذوي الجرائم والآثام حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ اى ملائكتنا الموكلون عليهم لقبض أرواحهم قالُوا لهم توبيخا وتقريعا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ وتعبدون مِنْ دُونِ اللَّهِ وتعتقدونهم شفعاء شركاء قالُوا متضرعين مضطرين قد ضَلُّوا عَنَّا وغابوا عن أعيننا بعد ما أضلونا عن طريق الحق وَشَهِدُوا حينئذ واعترفوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا في مدة حياتهم كافِرِينَ ضالين عن طريق الحق ساترين له

قالَ سبحانه من وراء سرادقات العز والجلال بمقتضى عدله السوى ادْخُلُوا ايها الضالون المكذبون فِي زمرة أُمَمٍ عاصية كافرة قَدْ خَلَتْ ومضت مِنْ قَبْلِكُمْ على الكفر والضلال أمثالكم كائنة مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ المعدة لجزاء العصاة الغواة الكفرة وبعد صدور الأمر الوجوبي منه سبحانه صار الأمر والشان بحيث كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ في نار الخذلان وسجن الحرمان لَعَنَتْ أُخْتَها التي اضلتها حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا اى تداركوا وتلاحقوا فِيها جَمِيعاً مزدحمين مجتمعين قالَتْ أُخْراهُمْ اى تابعوهم ومتأخروهم لِأُولاهُمْ لأجل متبوعيهم ومقدميهم وفي حقهم مشيرين إليهم متضرعين الى الله رَبَّنا يا من ربانا على فطرة الهداية والرشد هؤُلاءِ الضالون المضلون قد أَضَلُّونا عن طريق هدايتك وارشادك بوضع سنن الغي والضلال بيننا فاقتدينا بهم وبسننهم فضللنا فَآتِهِمْ الآن وانزل عليهم عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ اى مثلي عذابنا لأنهم ضالون مضلون قالَ سبحانه بمقتضى عدله القويم لِكُلٍّ منكم ايها الاتباع والمتبوعون ضِعْفٌ من النار اما المتبوعون فلضلالهم واضلالهم واما التابعون فاضلالهم في أنفسهم وتقليدهم بهؤلاء الغواة المضلين لا بالأنبياء الهادين وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ أنتم لا استحقاقكم ولا استحقاقهم

وَبعد ما سمعت الاولى المتبوعون المضلون من الاخرى الضالين التابعين ما سمعت قالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ انا وأنتم مستوون في الضلال فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ تستحقون به تخفيفا بل فَذُوقُوا الْعَذابَ أنتم بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ كما نذوقه بما نكسب

ثم قال سبحانه إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا الدالة على وحدة ذاتنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها ولم يؤمنوا بها عتوا وعنادا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ اى سماء الأسماء والصفات الإلهية والأعيان الثابتة الجبروتية حتى يفيض عليهم من الفيوضات والفتوحات اللاهوتية لينكشفوا بوحدة الذات الاحدية وَبالجملة هم لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ اى مقر الوحدة الذاتية حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ اى دخولهم في مقر الوحدة وحيطتها في الاستحالة كولوج الجمل في سم الخياط بل أشد استحالة وامتناعا منه هذا مثل يضرب في الممتنعات والمستحيلات مبالغة وَبالجملة كَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ المخرجين عن ساحة عز الوحدة بجرائم اهوية هوياتهم الباطلة

وبالجملة لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ اى من لوازم الإمكان مِهادٌ وفراش يحترقون عليه بنيران الامنية والآمال الطويلة وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ اى اغشية وأغطية متخذة من سعير الجاه والمال ودعوى الفضل والكمال وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ المتجاوزين عن مقتضى الحدود الإلهية بمقتضيات نفوسهم المنغمسة في اللذات الحسية والوهمية والخيالية

ثم قال سبحانه على مقتضى سنته المستمرة في كتابه من تعقيب الوعيد بالوعد وَالَّذِينَ آمَنُوا بوحدة الحق وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ المقربة نحوه بمقتضى استعداداتهم وقابلياتهم وبمقدار وسعهم وطاقتهم تأكيدا لإيمانهم مع انا لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها أُولئِكَ السعداء الباذلون مهجهم وجهدهم في سلوك سبيل الفناء أَصْحابُ الْجَنَّةِ المعدة لأرباب المحبة والولاء

<<  <  ج: ص:  >  >>