للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيَقُولُونَ مستهزئين متهكمين على سبيل الاستفهام ماذا أَرادَ اللَّهُ المقدس عن جميع الرذائل المتصف بجميع الأوصاف الحميدة على زعمهم بِهذا الدنى الحقير الخسيس بان يضرب مَثَلًا هذا تعريض على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأبلغ وجه وآكده يعنى جميع ما جئت به كلمات مفتريات بعضها فوق بعض وانما نسبته بالوحي وأسندته الى الله لتروجها على ذوى الأحلام الضعيفة ومن غاية استكبارهم ونهاية جهلهم المقتضى لعمى القلب لم يروا الحكمة في تمثيله ولم يعلموا انه سبحانه يُضِلُّ بِهِ اى بإنكار هذا التمثيل بمقتضى اسمه المنتقم كَثِيراً من المستكبرين المستحقرين بعض المظاهر وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً من الموحدين الموقنين الذين لا يرون في عموم المظاهر الا الله الظاهر إذ في هذا المشهد العظيم لا تسع الإضافات المستلزمة للاستعظام والاستحقار بل سقط هناك عموم الاضافة والاعتبار ثم بين سبحانه سبب إضلاله

فقال وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ الَّذِينَ يخرجون عن طريق التوحيد باستحقار بعض المظاهر حيث يَنْقُضُونَ اى يفصمون ويقطعون عَهْدَ اللَّهِ الذي هو حبله الممدود من أزل الذات الى ابد الأسماء والصفات سيما مِنْ بَعْدِ توكيده بذكر مِيثاقِهِ الموثق به بقوله الست بربكم وقولهم بلى وَبعد ما نقضوا العهد الوثيق الذي من شانه ان لا ينقض لم يفزعوا ولم يتوجهوا الى جبره ووصله بل يَقْطَعُونَ التوجه عن امتثال ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ في كتابه المنزل أَنْ يُوصَلَ اى لان يوصل به ما نقض من عهده وَمع ذلك لا يقنعون ولا يقتصرون بنقض العهد وقطع الوصل المختصين بهم بل يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ بأنواع الفسادات السارية في أقطارها من إفساد عقائد الضعفاء والبغض مع العرفاء الأمناء والمخاصمة مع الأنبياء والأولياء وبالجملة أُولئِكَ البعداء الضالون عن منهج التوحيد هُمُ الْخاسِرُونَ المقصورون على الخسران الكلى الذي لا خسران أعظم منه أعاذنا الله وعموم عباده من ذلك

ثم استفهم سبحانه مخاطبا لهم مستبعدا لما صدر عنهم من الكفر والطغيان على سبيل الكناية تحريكا لحمية الفطرة الاصلية التي فطر الناس عليها وتذكيرا لهم عن العهد الوثيق الذي عهدوا مع الله في مبدأ فطرتهم بقوله كَيْفَ تَكْفُرُونَ وتشركون بِاللَّهِ الذي قدر وجودكم في علمه السابق وَكُنْتُمْ أَمْواتاً اعداما صرفا لا امتياز لها ولم تكونوا مذكورين وبعد ما قدر وجودكم أراد ايجادكم فَأَحْياكُمْ وأظهركم من كتم العدم بمد ظله عليكم وبعد ما أظهركم أنعم عليكم ورباكم في النشأة الاولى بأنواع النعم لتعرفوا المنعم وتشكروا له في مقابلتها ثُمَّ بعد ما رباكم بأنواع النعم يُمِيتُكُمْ ويخرجكم من النشأة الاولى إظهارا لقدرته وقهره ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ايضا في النشأة الاخرى لتجزى كل نفس بما كسبت في النشأة الاولى ثُمَّ بعد ما قطعتم المنازل وطويتم المراتب والمراحل إِلَيْهِ لا الى غيره من العكوس والاظلال تُرْجَعُونَ إذ لا وجود لغيره ليرجع اليه فثبت ان لا مبدأ سوى الله ولا منتهى ولا مرجع الا هو ولا رجوع الا اليه لا اله الا هو كل شيء هالك الا وجهه له الحكم واليه ترجعون

وبالجملة هُوَ الَّذِي جعلكم خلائف في الأرض وصوركم على صورته وصيركم مظاهر جميع أوصافه وأسمائه وكرمكم على عموم مظاهره ومصنوعاته حيث خَلَقَ اى قدر ودبر لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً يعنى قد سخر لكم جميع ما في العالم السفلى من آثار الأسماء والصفات تتميما لجسمانيتكم وحصة ناسوتكم لتتصرفوا فيها وتنتفعوا بها متى شئتم ثُمَّ لما تم تقدير ما في العالم السفلى ترقى عنه حيث اسْتَوى وتوجه إِلَى السَّماءِ اى الى تقدير ما في العالم العلوي تتميما لحصة لاهوتكم فَسَوَّاهُنَّ وعدلهن وهيأهن سَبْعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>