للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من العذاب إِنْ كُنْتَ صدقت انك مِنَ الْمُرْسَلِينَ ثم لما فعلوا ما فعلوا وقالوا ما قالوا استحقوا بحلول ما وعدوا وأوعدوا

فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ اى الصيحة الهائلة فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ اى صار كل منهم جاثما جامدا الى حيث لا يتحرك منهم احد. روى انهم كانوا في منازل عاد يعيشون فيها متنعمين مترفهين الى ان كثرهم الله واعمرهم أعمارا طوالا واقتضى طول أملهم ان ينحتوا من الجبال بيوتا وأخاديد يخزنون فيها أمتعتهم ويبنوا قصورا عاليات في السهول إذ كانوا في خصب وسعة فاغتروا وغروا على ما هم عليه وأفسدوا في الأرض بأنواع الفسادات وبالغوا في عبادة الأصنام فبعث الله إليهم صالحا عليه السّلام وهو من اشرافهم فدعاهم الى الايمان والتوحيد فسألوا منه آية فقال أية آية تريدون قالوا له اخرج معنا الى عيدنا فادع إلهك وندعوا آلهتنا فمن استجيب منا اتبع فخرج معهم صالح فدعوا أصنامهم فلم يجابوا ثم أشار سيدهم جندع ابن عمرو الى صخرة منفردة يقال لها الكاتبة وقال لصالح أخرج من هذه الصخرة ناقة مخترجة جوفاء وبراء وان أخرجت صدقناك وآمنا بك فأخذ صالح عليه السّلام عليهم المواثيق انى ان أخرجت لتؤمنون بي فعهدوا معه فصلى ودعا ربه فتمخضت الصخرة تمخض النتوج بولدها فانصدعت عن ناقة عشراء جوفاء وبراء كما وصفوا وهم ينظرون ثم أنتجت ولدا مثلها في الكبر فآمن له جندع في جماعة ومنع الباقين ذوار بن عمرو والخباب صاحب أوثانهم ورباب بن صمغر كاهنهم فمكث الناقة مع ولدها ترعى الشجر وترد الماء غبا فما ترفع رأسها من البئر حتى تشرب كل ما فيها ثم تتفجج فيحلبون منها ما شاءوا حتى يمتلئ جميع أوانيهم ويدخرون وكانت تضيف في ظهر الوادي فتهرب منها مواشيهم وتشتو في بطنه فتهرب أنعامهم الى ظهره فشق ذلك عليهم فهموا بقتلها وزينت لهم قتلها أم غنم وصدقة بنت المختار فعقروها واقتسموا لحمها فرقى وصعد ولدها جبلا اسمه قارة فرغا ثلاثا فقال صالح لهم أدركوا الفصيل عسى ان يرفع عنكم العذاب فلم يقدروا عليه وانفتقت اى انشقت الصخرة بعد رغائه فدخلها فقال صالح عليه السّلام تصبح وجوهكم غدا مصفرة وبعد غد محمرة واليوم الثالث مسودة ثم يصبحكم العذاب فلما رأوا العلامات التي اخبر بها هموا ان يقتلوه فأنجاه الله تعالى وأوصله الى ارض فلسطين ولما كانت ضحوة اليوم الرابع تكفنوا بالانطاع فاتتهم صيحة من السماء فتقطعت قلوبهم فهلكوا

فَتَوَلَّى واعرض عَنْهُمْ صالح عليه السّلام بعد ما لاح عليهم امارات العذاب وعلامات الانتقام وَقالَ متحسرا متأسفا حين تجانب عنهم يا قَوْمِ المبالغين في الاعراض عن الحق لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وبذلت جهدي في هدايتكم وَنَصَحْتُ لَكُمْ إشفاقا عليكم حتى لا يلحقكم العذاب الموعود وَلكِنْ أنتم قوم مستكبرون في انفسكم مصرون معاندون لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ فلحقكم ما أخاف عليكم بإعراضكم عما أمرتم

وَلقد أرسلنا ايضا لُوطاً عليه السّلام اذكروا إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ المبالغين في ارتكاب الفعلة القبيحة والديدنة الشنيعة على سبيل التوبيخ والتقريع أَتَأْتُونَ وترتكبون الْفاحِشَةَ المتناهية في الفحش والفضاحة مع انها ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ بل قد اخترعتموها أنتم من خباثة نفوسكم وسخافة أحلامكم ورداءة طباعكم

إِنَّكُمْ ايها المتجاوزون عن مقتضيات الحكم والحدود الإلهية لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً اى حال كونكم متلذذين مشتهين لإتيانهم مِنْ دُونِ النِّساءِ مع ان الحكمة تقتضي لإتيانهن وما هو الا من جهلكم بقبحها وخباثتها بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ في الفساد والخروج عن مقتضى الحكمة والحدود

<<  <  ج: ص:  >  >>