للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبأوامره ونواهيه

وبالجملة قاتِلُوهُمْ حيث وجدتموهم فإنكم منصورون عليهم بنصر الله إياكم يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ بأنواع العذاب من الأسر والقتل والاجلاء وَيُخْزِهِمْ اى يذلهم ويهنهم ما بقي منهم ومن ذرياتهم وَيَنْصُرْكُمْ دائما عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ بقهرهم وإذلالهم صُدُورَ قَوْمٍ غرباء مُؤْمِنِينَ حيث صارت قلوبهم مرضى من وعيدات أولئك الطغاة الغواة المتجبرين المتكبرين

وَيُذْهِبْ بقتل أولئك الكفرة وقمعهم واستئصالهم غَيْظَ قُلُوبِهِمْ اى ما حدث وخدش في قلوب هؤلاء الغرباء المؤمنين الذين تركوا أوطانهم بحب دين الإسلام من استيلاء الكفار وخافوا من كثرة عددهم وعددهم وجاههم ومالهم وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ ان يصرف ويرجع من الباطل بسبب قلعهم وقمعهم من في قلوبهم مرض من الأقاصي والأداني وَاللَّهُ المطلع لضمائر عباده عَلِيمٌ بمخايلهم وامراض قلوبهم حَكِيمٌ في علاجها ودفعها.

ثم قال سبحانه على وجه التشنيع للمؤمنين تحريكا الحمية الايمان أَمْ حَسِبْتُمْ وظننتم ايها المؤمنون الكارهون للقتال المتقاعدون عن امتثال الأوامر الواقعة فيه أَنْ تُتْرَكُوا

على ما أنتم عليه ولا تؤمروا بالقتال من بعد وَزعمتم ايضا زعما فاسدا لَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ ولما يفصل ويميز سبحانه بعلمه الحضوري الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ في سبيله مخلصين مخلصين خالصا لرضاه وَمع ذلك لَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا من دون رَسُولِهِ المستخلف منه النائب عنه وَلا من دون الْمُؤْمِنِينَ المرابطين قلوبهم مع الله ورسوله وَلِيجَةً اى بطانة ومرجعا من الكفار يوالونهم ويفشون إليهم سرائرهم بلى ان الله عليم بجميع ما صدر عنكم من علامات الإخلاص وامارات النفاق وَاللَّهُ المطلع بجميع أحوالكم خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ اى بعموم ما تتخيلون وتخطرون ببالكم من التكاسل والتواني والالتجاء الى الأعداء والرجوع إليهم في خلواتكم واسراركم وموالاتكم معهم في قلوبكم

ثم قال سبحانه ما كانَ اى ما صح وما جاز لِلْمُشْرِكِينَ المصرين على الشرك والعناد أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ المعدة لأهل الايمان ليعبدوا فيها حتى يتحققوا بمقام المعرفة والتوحيد حال كونهم شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ والشرك قولا وفعلا وشركهم مناف لتعميرها إذ أُولئِكَ البعداء الهالكون في تيه الجحود والضلال قد حَبِطَتْ اى سقطت عن درجة الاعتبار أَعْمالُهُمْ الصالحة عند الله بحيث لا ينفعهم أصلا لمقارنتها بالشرك بل وَمآل أمرهم انهم داخلون فِي النَّارِ المعدة لأهل الشرك والضلال بل هُمْ خالِدُونَ فيها لا نجاة لهم منها أصلا سواء صدر عنهم الأعمال الصالحة أم لا

بل إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ المعدة للعبادة والتوجه نحو الحق والمناجاة معه مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وتحقق بمرتبة اليقين العلمي في توحيده وَالْيَوْمِ الْآخِرِ اى صدق باليوم الآخر الذي مصير الكل اليه وَأَقامَ الصَّلاةَ وادام الميل والرجوع نحو الحق بعموم الجوارح والأركان مستمرا دائما وَآتَى الزَّكاةَ تخفيفا وتطهيرا لنفسه عن العلائق العائقة عن التوجه الحقيقي الحقي وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ اى لم يكن في قلبه خشية من فوات شيء أصلا الا من عدم قبول الله اعماله ومن عدم رضاه سبحانه منه فَعَسى وقرب أُولئِكَ السعداء الأمناء الباذلون جهدهم في طريق التوحيد المشتاقون الى فضاء الفناء المتصفون بالأوصاف المذكورة المداومون عليها المحافظون إياها أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ المتحققين في مقام الرضا والتسليم ان وفقوا بالإخلاص من عنده سبحانه. اصنع بنا ما تحب أنت عنا وترضى يا دليل الحائرين

أَجَعَلْتُمْ اى صيرتم وسويتم ايها المشركون المعاندون المكابرون سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ

<<  <  ج: ص:  >  >>