للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المجازى لخلص عباده لَهُمْ اى لهؤلاء المجاهدين المرابطين قلوبهم مع الله ورسوله الباذلين مهجهم في سبيله جَنَّاتٍ متنزهات علمية وغيبية وحقية تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ الكشوف والشهود والواردات الغيبية والإلهامات القدسية لا دفعة ولا دفعات بل خالِدِينَ فِيها ابدا مستمرا ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ واللطف العميم لهؤلاء المخلصين المختصين بالعناية الازلية والسعادة السرمدية

وَمتى جاءت ونزلت سورة ناطقة بالقتال والجهاد جاءَ الْمُعَذِّرُونَ بالأعذار الكاذبة ومن في قلوبهم مرض مِنَ الْأَعْرابِ الذين لا اطمئنان لهم في الايمان لِيُؤْذَنَ لَهُمْ بالقعود وعدم الخروج الى الجهاد وَقَعَدَ المصرون الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ من غير مبالاة بأمر الله واطاعة رسوله لا تبال بهم وبمخالفتهم وكذبهم إذ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ بعد افتضاحهم وظهور نفاقهم عَذابٌ أَلِيمٌ في الدنيا والآخرة بحيث لا نجاة لهم من العذاب أصلا

ثم قال سبحانه لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ الفاقدين استطاعة الحرب ولو كانوا أصحاء كالنسوان والصبيان والشيوخ وَلا عَلَى الْمَرْضى الفاقدين الاستطاعة بعروض العوارض كالعمى والعرج والزمانة وغيرها وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ للزاد والسلاح والمركب وغيرها حَرَجٌ اى اثم ومعصية في قعودهم وتخلفهم إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ اى أخلصوا في الايمان والإطاعة بالله ورسوله بلا مرض مكنون في قلوبهم ودعوا دائما للمجاهدين والغزاة خيرا وأحسنوا مع اهل بيتهم وأطفالهم وفعلوا معهم خيرا ان استطاعوا وبالجملة ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ القاعدين المعذورين المخلصين مع الله ورسوله والمؤمنين مِنْ سَبِيلٍ في المعاتبة والحرج الدنيوي فضلا عن العقاب والعتاب الأخروي بل هم من جملة المجاهدين وزمرتهم فيها وَاللَّهُ المطلع لضمائرهم غَفُورٌ لذنوبهم رَحِيمٌ لهم يجازيهم على قعودهم هذا خيرا لكونهم معذورين فيه

وَلا حرج ولا عقاب ايضا عَلَى المؤمنين المخلصين الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ حين هممت أنت يا أكمل الرسل وعزمت الى الخروج لِتَحْمِلَهُمْ على الخفاف المرقوعة والنعال المخصوفة معقل بن يسار وصخر بن خنساء وعبد الله بن كعب وغيرهم حتى يبلغوا مكان العدو قُلْتَ لهم لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وانصرفوا من عندك آيسين وَأَعْيُنُهُمْ حين توليهم وانصرافهم تَفِيضُ وتسيل مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً وأسفا أَلَّا يَجِدُوا اى لئلا يجدوا ما يُنْفِقُونَ حتى يبلغوا المعركة ويحضروا الوغاء فهؤلاء ايضا لا عتاب لهم ولا عقاب بل يرجى لهم الأجر الجزيل من الله لإخلاصهم واسفهم

بل إِنَّمَا السَّبِيلُ بالمعاتبة والمعاقبة وانواع العذاب عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ بالقعود معتذرين وَالحال انه هُمْ أَغْنِياءُ مستطيعون قادرون بالجسد والمال الا انهم قد رَضُوا من خبث بواطنهم ومرض قلوبهم بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ المعذورين الغير المستطيعين وَما ذلك الا ان طَبَعَ اللَّهُ المذل المضل لأهل الغفلة والعناد عَلى قُلُوبِهِمْ بالجهل والضلال فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ جهلهم وضلالهم حتى يتسببوا لازاحتهما وازالتهما

ومع ذلك يَعْتَذِرُونَ أولئك المستأذنون المستطيعون إِلَيْكُمْ ايها المؤمنون إِذا رَجَعْتُمْ من غزوتكم هذه إِلَيْهِمْ بان يكونوا معكم في عموم غزواتكم ويأتون بالأعذار الكاذبة الغير المطابقة للواقع تسلية لكم وتغريرا وتتميما لنفاقهم قُلْ يا أكمل الرسل تعليما للمؤمنين في مقابلة اعذارهم لا تَعْتَذِرُوا منا مراء ومداهنة انا لَنْ نُؤْمِنَ ولن نصدق لَكُمْ سيما قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ المطلع لضمائركم وبما يجرى في صدوركم بالوحي على رسوله مِنْ أَخْبارِكُمْ التي

<<  <  ج: ص:  >  >>