للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْ يَتَطَهَّرُوا عن المعاصي والآثام ويتوجهوا نحو الحق برفض الشواغل ونفض العوائق والعلائق وَاللَّهُ المطلع بنياتهم يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ القاصدين تطهير ذواتهم عن التوجه الى ما سوى الحق المطلق بل عن هوياتهم وتعيناتهم الباطلة مطلقا

أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ ووضع بناءه عَلى تَقْوى الا وهي قاعدة محكمة وركن شديد وحصن منيع وسبب تحفظ وتحصن مِنَ غضب اللَّهِ وسخطه وَايضا على طلب رِضْوانٍ ومثوبة عظيمة ومنزلة رفيعة منه سبحانه خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ اى على طرف واد قد جوفه السيول والأمطار فسقط البعض واشرف الباقي على السقوط والانهدام فوضع عليه بناءه فَانْهارَ بِهِ وسقط معه من بناه واقامه فِي نارِ جَهَنَّمَ اى الوادي الغائر الهائر المملو من نيران الحرمان والخذلان وَاللَّهُ الهادي لخلص عباده لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ الخارجين عن مقتضى أوامره ونواهيه ومن شدة غيظهم وخبث باطنهم

لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا يورث ويزيد رِيبَةً شكا وريبا متزايدا فِي قُلُوبِهِمْ مترشحا فيها إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ بنيران الحسرة وتفتتت وتلاشت بهجوم اهوال العذاب الهائل عليها الى حيث لا يتأتى منها الإدراك وَاللَّهُ عَلِيمٌ بمخايلهم الكامنة في صدورهم حَكِيمٌ في جزائها وانتقامها

ثم قال سبحانه تبشيرا للمؤمنين الباذلين مهجهم في سبيل الله إِنَّ اللَّهَ المتفضل بالفضل العظيم قد اشْتَرى واستبدل مِنَ الْمُؤْمِنِينَ المخلصين الموقنين أَنْفُسَهُمْ وهوياتهم الفانية الباطلة الهالكة في حد ذاتها المبذولة في سبيله سبحانه في النشأة الاولى وَأَمْوالَهُمْ المصروفة فيها ايضا بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ الباقية واللذة المستمرة الدائمة بدلها لذلك يُقاتِلُونَ أولئك الممتثلون لأمر الله المصدقون لوعده فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ أعداءه ويستحقون المثوبة التي قد وعد من لدنه سبحانه للغزاة المجاهدين وَيُقْتَلُونَ ايضا يصلون الى درجة الشهداء الذين هم احياء عند الله يرزقون من موائد افضاله فرحون بما وعدوا من عنده سبحانه وَعْداً عَلَيْهِ بلا خلف فيه حَقًّا ثابتا مثبتا مكتوبا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ المنزلة من لدنه سبحانه وَبالجملة مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ ووفى المعهود فقد استحق مِنَ اللَّهِ الوعد الموعود فَاسْتَبْشِرُوا وافرحوا واربحوا ايها المؤمنون بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ مع ربكم حيث استبدلتم الفاني الزائل بالباقي المستمر الدائم وَبالجملة ذلِكَ الموعود الذي قد وعد لكم هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ والفضل الكريم المعد لأرباب العناية والقبول

الا وهم التَّائِبُونَ النادمون على ما جرى عليهم من المعاصي والآثام المحافظون عليها بلا مراجعة أصلا الْعابِدُونَ بالعزائم الصحيحة الخالصة الصافية عن مطلق الكدورات والإخلاص التام في نيات الطاعات الْحامِدُونَ الشاكرون الصارفون عموم ما اعطاهم الحق من النعم والقوى والآلات الى ما خلق لأجله السَّائِحُونَ السائرون السالكون في سبيل الهداية والرشد لازدياد المعارف والحقائق الرَّاكِعُونَ المتواضعون المنكسرون المتذللون عند عموم مظاهر الحق تكريما له سبحانه وتعظيما لشأنه السَّاجِدُونَ المتذللون الواضعون جباههم على تراب المذلة والهوان خضوعا وانقيادا ميلا ودعاء الى الله في عموم حالاتهم الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ المستحسن عقلا وشرعا بالقلب واللسان وعموم الجوارح والأركان وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ المستقبح عقلا وشرعا على الوجه الذي ورد الشرع به وَبالجملة هم الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ الموضوعة بين ارباب التكاليف قابلين لسلوك مسالك التوحيد

<<  <  ج: ص:  >  >>