للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتحقيق مطلقا وَبَشِّرِ يا أكمل الرسل الْمُؤْمِنِينَ الموصوفين بهذه الصفات الجميلة باللذات التي لا يمكن وصفها بلسان التعبير من لدن حكيم خبير.

ثم قال سبحانه على طريق النهى عموما ما كانَ اى ما صح وما جاز لِلنَّبِيِّ الأمي الهاشمي المبعوث الى كافة البرايا بالهداية العامة والإرشاد الكامل الشامل وَالَّذِينَ آمَنُوا معه وأخلصوا فيه أَنْ يَسْتَغْفِرُوا ويشفعوا لِلْمُشْرِكِينَ المصرين على الكفر والعناد لا بتخفيف العذاب عنهم ولا بدخول الجنة وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى من النسب إذ لا عبرة لقرابة النسب بل القرابة المعتبرة عند الله هي قرابة الدين والايمان سيما مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ موت اقربائهم على الكفر والجاهلية وظهر عندهم أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ اى ملازموها وملاصقوها لا نجاة لهم منها لاصرارهم على موجباتها

وَلا يرد على هذا استغفار ابراهيم عليه السّلام لأبيه إذ ما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ آزر على سبيل الشفقة والشفاعة والعطف الموجب لها بل ما هو إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وعهد قد وَعَدَها إِيَّاهُ حين أراد ان يخرجه من الكفر والشرك بان يستغفر له ما تقدم من ذنبه ان آمن فاستغفر قبل الايمان انجازا لوعده ليلين قلبه فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ وظهر عنده أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ مصر على كفره مطبوع على قلبه مختوم بختام الجهل والغفلة تَبَرَّأَ مِنْهُ واسترجع الى الله الخليل الجليل منيبا عن اجترائه واستغفاره في حق أبيه الكافر مع عدم علمه باستعداده وبتوفيق الله إياه وبالجملة إِنَّ إِبْراهِيمَ مع كونه متحققا بمقام الخلة مع الله لَأَوَّاهٌ كثير التأوه والتحزن عن أمثال هذه الجرأة حَلِيمٌ كثير الشفقة والمرحمة على اهل الغفلة لظهوره على مقتضى اللطف والجمال

وَاعلموا ايها المؤمنون ما كانَ اللَّهُ المصلح لأحوال عباده لِيُضِلَّ قَوْماً ويسميهم ضلالا وفساقا بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ على الايمان والإسلام حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ وينبه عليهم ما يَتَّقُونَ ويحذرون من المحارم والمعاصي لامتناع تكليف الغافل ثم بعد ارتكاب المحذر به يسميهم ما يسميهم ويأخذهم بما يأخذهم منتقما عليهم إِنَّ اللَّهَ المدبر لأمور عباده بِكُلِّ شَيْءٍ مما يتعلق بصلاحهم وإصلاحهم عَلِيمٌ لا يعزب عن علمه شيء فعليكم ايها المؤمنون ان تفوضوا أموركم كلها الى الله إذ الأمر كله لله

إِنَّ اللَّهَ المستقل بالالوهية والوجود لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وما فيها من النجوم والبروج والجنود التي لا اطلاع لنا عليها وَكذا ملك الْأَرْضِ وما عليها وكذا ملك ما بينهما من الكائنات والفاسدات يُحْيِي ويظهر بلطفه متى تعلق ارادته وَيُمِيتُ ويعدم ويخفى بقهره متى جرت مشيئته وَما لَكُمْ ايها المؤمنون الموقنون بتوحيد الله مِنْ دُونِ اللَّهِ الواحد الأحد الفرد الصمد الذي ليس معه شيء ولا دونه حي مِنْ وَلِيٍّ يتولى أموركم وَلا نَصِيرٍ ينصركم عليها

وبالجملة لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ ووفقه على التوبة والندامة بعد ما صدر عنه صلّى الله عليه وسلّم اذن المخالفين المستأذنين المعتذرين بالأعذار الكاذبة تغريرا له وتلبيسا عليه مع عدم علمه بحالهم وَقد تاب ايضا على الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ نحو تبوك حين خرج إليها فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ وايام القحط إذ ليس لهم في تلك السفر لا زاد ولا راحلة ولا ماء حيث تعاقب عشرة على بعير وقسم تمر بين اثنين في يوم وشرب الفظ والفرث من شدة العطش لذلك قد تمايل على المخالفة والمراجعة كثير من الناس مِنْ بَعْدِ ما كادَ وقرب يَزِيغُ ويميل عن المتابعة قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ من قلة التصبر وكثرة المقاسات والأحزان ثُمَّ تابَ الله عَلَيْهِمْ ووفقهم على التوبة مما اخطروا

<<  <  ج: ص:  >  >>