للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ويظهره من كتم العدم إظهارا إبداعيا بلا سبق مادة ومدة ثم يعدمه إظهارا لقدرته الغالبة ثُمَّ يُعِيدُهُ في النشأة الاخرى لإظهار سرائر تكاليفه التي قد كلف بها عباده في النشأة الاولى لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا بوحدته وصدقوا رسله فيما مضى وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ المأمورة لهم من لدنه سبحانه بالسنة كتبه ورسله جزاء حسنا مقرونا بِالْقِسْطِ والعدل القويم ويتفضل على من تفضل عناية منه وامتنانا وَالَّذِينَ كَفَرُوا بالله وأشركوا له سبحانه شيأ من مظاهره بل قد شاركوه معه في أخص أوصافه واشرف أسمائه لَهُمْ في يوم العرض والجزاء بعد ما يحاسبون شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ بدل ما كانوا يتلذذون بالاشربة المحرمة في النشأة الاولى وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ بالله ويكذبون رسله عنادا وإصرارا وكيف يكفرون بالله أولئك الحمقى العمى الهالكون في تيه الغفلة والضلال وظلمة الجهل وسوء الفعال

مع انه سبحانه هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً محضا ليكون دليلا على كمال ظهوره واشراقه وشدة جلاء وجوده وانجلائه وَجعل الْقَمَرَ نُوراً يعنى صير القمر مرآة مظلمة في نفسها مستنيرة من ضوء الشمس في ظلمات الليل ليكون دليلا على إضاءته سبحانه في مشكاة التعينات وظلمات الهويات وَقَدَّرَهُ اى للقمر مَنازِلَ متعددة تسهيلا لكم وتدبيرا لأموركم لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ التي تحتاجون إليها في معاملاتكم وتجاراتكم وحراثتكم كما قدر منازل نور النبوة والولاية في مشكاة الأنبياء والأولياء الوارثين منهم لتقتبسوا أنتم أنوار الايمان المزيحة لظلم الكفر والعصيان من مصابيح أولئك الأمناء الكرام وتتوسلوا بها الى ان تستضيئوا بضياء الشمس الحقيقية الحقية التي لا افول لها أصلا. ثم قال سبحانه ترغيبا لعباده وتنبيها لهم على اصل فطرتهم ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ اى ما اظهر وأوجد ما أوجد في عالمي الغيب والشهادة حسب أسمائه وأوصافه الا ملتبسا بالحق الثابت الصريح بلا احتياج فيه الى الدلائل والشواهد إذ لا شيء اظهر من ذاته سبحانه حتى يجعل دليلا عليها كما قال سبحانه يُفَصِّلُ ويوضح الْآياتِ المنبهة عليها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ يتحققون بمرتبة اليقين العلمي ليترقوا منها الى اليقين العيني والحقي. واما المحجوبون فهم من عداد البهائم والانعام لا يرجى منهم الفلاح لكثافة حجبهم وغلظ غشاوتهم

وبالجملة إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وإيلاجه في النهار وَالنَّهارِ وإيلاجه في الليل وَما خَلَقَ اللَّهُ فِي أوضاع السَّماواتِ من الأمور المقتضية لاختلافهما وَالْأَرْضِ من المكنونات الكائنة فيها على مقتضى تربية العلويات وتدبيراتها لَآياتٍ دلائل واضحات وشواهد لائحات دالة على قدرة القادر الحكيم المتقن في امره وفعله لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ ويحذرون عن قهر الله ويلتجئون اليه سبحانه عن غضبه وسخطه

ثم قال سبحانه على سبيل التهديد والوعيد إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لإنكارهم اعادتنا إياهم في يوم الجزاء لنجزيهم وفق ما عملوا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا المستعارة بلا التفات منهم الى دار القرار وَاطْمَأَنُّوا بِها اى وطنوا ومكنوا أنفسهم بلذاتها وَبالجملة أولئك الحمقى الجاهلون هم الَّذِينَ هُمْ من شدة قساوة قلوبهم وغباوة فطنتهم عَنْ آياتِنا غافِلُونَ ذاهلون مع غاية وضوحها وظهورها غفلة لا يرجى انتباهم منها أصلا

وبالجملة أُولئِكَ البعداء المعزولون عن مقتضى العقل الفطري المستفاد من العقل الكل الذي هو عبارة عن حضرة العلم المحيط الإلهي مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ من الكفر والعصيان ومخالفة العقل المفاض ومتابعة الوهم والخيال.

ثم قال سبحانه على مقتضى

<<  <  ج: ص:  >  >>