للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن حيطة حضرة علمه المحيط شيء من الأشياء لا في الأرض ولا في السماء سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ من الأوثان والتماثيل التي لا شعور لها أصلا مع انها من أدون المظاهر واخس المخلوقات وبالجملة ما قدروا الله أولئك الحمقى حق قدره لذلك نسبوه اليه ما هو منزه عنه تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا

وَما كانَ النَّاسُ المجبولون على مظهرية الحق المنعكسون من اظلال أسمائه الحسنى وصفاته العليا إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً ملتجئة الى الله مقتبسة من أنوار تجلياته منعكسة منها فَاخْتَلَفُوا اى الاظلال الهالكة باختلاف صور الأسماء المتقابلة والأوصاف المتضادة المتخالفة حسب شئون التجليات المتجددة في الكمالات المترتبة عليها وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ يا أكمل الرسل لتسويتهم وتعديلهم في النشأة الاخرى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بالعدالة والقسط فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ في هذه النشأة بلا تأخير الى اخرى لكن الحكمة المتقنة الإلهية تقتضي تأخيرها لذلك أخر أمرهم وحسابهم وعذابهم لئلا يبطل سر التكاليف وحكم الأوامر والنواهي ومطلق الاحكام الواردة من عنده سبحانه

وَمن خبث طينتهم وشدة شكيمتهم يَقُولُونَ بعد ما اقترحوا عنه صلّى الله عليه وسلّم بالآيات ولم تنزل لَوْلا وهلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ من الآيات المقترحة مع ان دعواه ان ربه قادر مقتدر على عموم المقدورات والمرادات بحيث لا يخرج عن حيطة قدرته شيء فَقُلْ في جوابهم بلى ان الله قادر على جميع المقدورات ومن جملتها مقترحاتكم الا ان في عدم انزالها وإنجاحها حكمة غيبية ومصلحة خفية إلهية لا يعلمها الا هو إِنَّمَا الْغَيْبُ كله لِلَّهِ وفي حيطة حضرة علمه فَانْتَظِرُوا بتعلق ارادته بمقترحاتكم إِنِّي مَعَكُمْ ايضا بلا تفاوت بيني وبينكم في عدم الاطلاع على غيبه مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ

ثم قال سبحانه على سبيل التوبيخ والتقريع للمسرفين وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً خلاصا ونجاة مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ واضطرتهم الى الرجوع والتوجه نحونا إِذا لَهُمْ مَكْرٌ اى قد فاجؤا بعد نزول الكشف والرحمة نحو المكر والخديعة مع نبينا والطعن والقدح فِي آياتِنا قُلِ لهم يا أكمل الرسل نيابة عنا اللَّهُ المطلع على ما في ضمائركم ومخايلكم أَسْرَعُ مَكْراً وأشد تدبيرا وانتقاما على مكركم وخداعكم قد أعد واثبت لكم سبحانه في حضرة علمه ولوح قضائه عذاب مكركم واشهد عليكم ملائكته كما قال إِنَّ رُسُلَنا الموكلين عليكم المراقبين لأحوالكم يَكْتُبُونَ في صحائف أعمالكم ما تَمْكُرُونَ وتحيلون مع الله ورسوله وكيف لا يراقبكم ويحافظ عليكم

مع انه سبحانه هُوَ القادر المقتدر الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ اى يمكنكم على السير والسياحة فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ليجرب إخلاصكم وتقويكم ورسوخكم على الايمان حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ اى السفينة والجوار وَجَرَيْنَ الجواري بِهِمْ اى بمن فيها بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ معتدلة موافقة لسيرها وَفَرِحُوا بِها وبجريها على مرادهم جاءَتْها بغتة رِيحٌ عاصِفٌ شديد الهبوب مزلزل لها محرك إياها وَمن شدة هبوبها وتحريكها البحر قد جاءَهُمُ الْمَوْجُ الهائل مثل الجبال الرواسي مِنْ كُلِّ مَكانٍ اى جانب وجهة وَظَنُّوا من غاية ارتفاع الأمواج المتوالية المتتالية أَنَّهُمْ قد أُحِيطَ بِهِمْ بأسباب الهلاك فتقع عليهم وتستأصلهم وحينئذ دَعَوُا اللَّهَ ملتجئين متضرعين مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ مقتصرين الإطاعة والانقياد له سبحانه إذ لا تعارض حينئذ للأهواء الفاسدة والآراء الباطلة قائلين مقسمين والله لَئِنْ أَنْجَيْتَنا يا ربنا بفضلك وجودك مِنْ هذِهِ البلية الهائلة المحيطة بنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ لنعمك المتذكرين دائما بحقوق جودك وكرمك

فَلَمَّا أَنْجاهُمْ اجابة لدعائهم وكشفا لضرهم وبلائهم

<<  <  ج: ص:  >  >>