للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منهم ما سمع

قالَ نوح عليه السّلام متأسفا متحزنا مأيوسا قنوطا من ايمانهم يا قوم لست انابآت بموعدى حتى تعجزونى وتضطرونى وتستهزءوا بي بل إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اى بالعذاب الموعود اللَّهُ المنتقم منكم المقتدر على اخذكم وقهركم إِنْ شاءَ انتقامكم وتعلق ارادته لمقتكم وهلاككم وَبالجملة ما أَنْتُمْ حين حلول غضب الله عليكم بِمُعْجِزِينَ الله في فعله واخذه إذ هو القاهر فوق عباده بل أنتم حينئذ عاجزون مضطرون مقهورون

وَبالجملة لا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي اليوم حتى يلحقكم ما سيلحقكم من العذاب الموعود إِنْ أَرَدْتُ وأحببت أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ لأحفظكم إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ يعنى لا ينفعكم نصيحتي ان تعلق مشيئة الحق في حضرة علمه وسابق قضائه باغوائكم واضلالكم إذ هُوَ سبحانه رَبُّكُمْ ومتولى أموركم وَإِلَيْهِ لا الى غيره من وسائل العكوس والاظلال تُرْجَعُونَ في عموم أموركم وحالاتكم أتريد يا نوح نصحهم وإشفاقهم وهم لا يقبلون منك

أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ بل هم يقولون قد اختلقه من عنده ونسبه الى الوحى ترويجا وتغريرا قُلْ لهم حين قالوا لك هذا مجاراة عليهم ومماراة لهم إِنِ افْتَرَيْتُهُ واختلقت ما جئت به فَعَلَيَّ إِجْرامِي اى وبال امرى ونكاله عائد على وجزاؤه آئل الى وَالحال أَنَا بَرِيءٌ في نفسي مِمَّا تُجْرِمُونَ وتنسبون أنتم الىّ من الجرائم

وَبعد ما بالغوا في العتو والعناد والإصرار على ما هم عليه من الجور والفساد وحان حين أخذهم وانتقامهم أُوحِيَ والهم إِلى نُوحٍ حين ظهر عليهم امارات الإنكار ولاح منهم علامات الاستخفاف والاستكبار أَنَّهُ اى الشان لَنْ يُؤْمِنَ لك ابدا بعد هذا احد مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ لك قبل هذا فاقنط عن ايمانهم ولا تجتهد في هدايتهم وإرشادهم فَلا تَبْتَئِسْ ولا تحزن ولا تغتم من إهلاكنا إياهم وإنزال العذاب عليهم واعلم جزما انهم مهلكون بِما كانُوا يَفْعَلُونَ من الاعراض والإنكار والعتو والاستكبار

وَبعد ما حصل لك اليأس والقنوط عن ايمانهم اصْنَعِ الْفُلْكَ والسفينة لحفظك وحفظ من آمن معك من الغرق بِأَعْيُنِنا اى بكنفنا وجوارنا وحفظنا وحصارنا وَوَحْيِنا لك كيف تصنعها وتشيدها وَبعد ما صنعت لا تُخاطِبْنِي ولا تناج يا نوح معى فِي إنجاء القوم الَّذِينَ ظَلَمُوا أنفسهم بالمكابرة والعناد ونبذوا وراء ظهورهم ما جئت به من لدنا من الهداية والرشد إِنَّهُمْ بسبب انهماكهم في الغفلة والغرور مُغْرَقُونَ مهلكون حتما جزما لا نجاة لهم أصلا

وَبعد ما أوحاه الحق وامره شرع يَصْنَعُ الْفُلْكَ بتعليم جبرائيل عليه السّلام إياه باذن الله وَقد كان حينئذ كُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ وطائفة مِنْ قَوْمِهِ حين اشتغاله بصنع الفلك قد سَخِرُوا مِنْهُ واستهزؤا معه لكونه في بادية لا ماء فيها وقالوا له على سبيل التهكم قد صرت نجارا بعد ما كنت نبيا مختارا قالَ لهم نوح المنكشف بما امره الحق له إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا الآن لجهلكم بسر صنيعنا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ ايضا حين كنا على الفلك وأنتم غرقى كَما تَسْخَرُونَ اليوم منا

فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ وتدركون وبال ما أنتم عليه من الاستهزاء والسخرية الزموا مكانكم لتعلموا مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ ويرديه منا ومنكم وَمن يَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ دائم مستمر وبالجملة هم قد صاروا مصرين على إصرارهم

حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وحان حلول أجلنا الذي قد أجلنا وقدرنا لمقتهم وهلاكهم في حضرة علمنا ولوح قضائنا وَفارَ اى نبع وعلا حينئذ التَّنُّورُ المعهود في حضرة علمنا ولوح قضائنا نبع

<<  <  ج: ص:  >  >>