للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحال انه قد آتانِي مِنْهُ رَحْمَةً نبوة ورسالة تامة مؤيدة بأنواع المعجزات فَمَنْ يَنْصُرُنِي يكفيني ويمنعني مِنْ عذاب اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ سيما في تبليغ رسالته واظهار ما أمرني بإظهاره وأوصاني بنشره وبالجملة فَما تَزِيدُونَنِي حين ابتلائى وأخذ الله إياي بعصيانى غَيْرَ تَخْسِيرٍ على تخسير وتخذيل فوق تخذيل

وَبعد ما ايس عن ايمانهم قال يا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً دالة على صدقى في دعواي وتأييد الله إياي فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ مسلمة بلا منع وإباء وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ لأجل الماء والكلأ فَيَأْخُذَكُمْ ويلحقكم ان أصبتموها بسوء عَذابٌ قَرِيبٌ اجله وحلوله وبعد ما قد ظهرت الناقة من الصخرة الصماء بين أظهرهم وأكلت كلأهم وشربت ماءهم فتضرروا منها وشاوروا في أمرها وتقرر رأيهم الى قتلها

فَعَقَرُوها وأهلكوها ظلما وعدوانا بغيا وطغيانا فَقالَ لهم صالح بعد ما وقع الواقعة الهائلة تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ وعيشوا بعد ما خالفتم حكم الله وقد أتيتم بما قد نهيتم عنه ثَلاثَةَ أَيَّامٍ الأربعاء والخميس والجمعة فوادعوا فيها وتوادعوا واعلموا ان ذلِكَ وَعْدٌ قد اوحى الى من ربي ووعد ربي غَيْرُ مَكْذُوبٍ ولا منسوب الى كذب قط بل صادق مصدوق متيقن مجزوم به لا تشكوا فيه

فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا بالعذاب المهلك بعد انقضاء الأيام الثلاثة التي قد ظهرت فيها علاماته من اصفرار وجوههم في اليوم الاول واحمرارها في الثاني واسودادها في الثالث نَجَّيْنا من فضلنا وجودنا صالِحاً الذي قد أصلح نفسه وأراد إصلاح نفوسهم فلم يقبلوا إصلاحها بل أفسدوها بأنفسهم وَنجينا ايضا الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وصلحوا باصلاحه بِرَحْمَةٍ نازلة مِنَّا على قلوبهم حتى وفقوا بها على قبول دعوته واظهار الايمان به وبسبب ايمانهم قد نجوا من خزي النشأة الاخرى وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ ايضا إِنَّ رَبَّكَ يا أكمل الرسل الموفق لهم على الايمان والإذعان هُوَ الْقَوِيُّ المحصور على القوة والقدرة إذ لا حول ولا قوة الا به وهو الْعَزِيزُ الغالب على إمضائه وإنفاذه حيث أراد وشاء

وَبعد ما أنجاهم الله بلطفه أَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أنفسهم بالعتو والعناد الصَّيْحَةُ الهائلة المهولة التي قد وعدها الله لإهلاكهم فَأَصْبَحُوا بعد ما سمعوا الصيحة في أثناء الليل فِي دِيارِهِمْ التي قد كانوا متمتعين فيها جاثِمِينَ جامدين ميتين بحيث

كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا ولم يسكنوا فِيها أصلا وعند وقوع تلك الواقعة الهائلة قد صاح اصحاب العبرة والاعتبار وأولو الخبرة والاستبصار أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ بكفران نعمه وتكذيب رسله أَلا بُعْداً لِثَمُودَ عن سعة رحمة الحق في النشأة الاولى والاخرى

وَبعد ما انقرض أولئك الهالكون في تيه الغفلة والغرور حدث بعدهم قوم لوط المبالغون في الغفلة القبيحة والديدنة الشنيعة عقلا ونقلا ومروة المصرون عليها زمانا الى ان أخذناهم بما أخذناهم وحين أردنا أخذهم لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا اى الملائكة المأمورون لإهلاك قوم لوط إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى والبشارة بالولد بعد ما ايس هو وزوجته عن التوالد والتناسل قالُوا له حين لا قوة سَلاماً اى نسلم سلاما عليك ترحيبا منا إليك وتعظيما قالَ سَلامٌ عليكم دائما مستمرا ايها المستحقون للتحية والترحيب فَما لَبِثَ وما جلس بعد نزولهم الى أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ مشوى ضيافة لهم ونزلا لقدومهم ووضع بين أيديهم فانصرفوا عنه ولم يمدوا أيديهم نحوه

فَلَمَّا رَأى ابراهيم أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ ولا يتناولون منه كما هو عادة المسافرين نَكِرَهُمْ اى أنكر منهم عدم أكلهم لان

<<  <  ج: ص:  >  >>