للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ لقومه من غاية غيرته وحميته في حق أضيافه يا قَوْمِ هؤُلاءِ الإناث بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ان أردتم الوقاع فَاتَّقُوا اللَّهَ المنتقم الغيور وَلا تُخْزُونِ ولا تخجلوني فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ ايها المجبولون على فطرة الإدراك رَجُلٌ رَشِيدٌ ذو مروءة وعقل كامل

قالُوا في جوابه مبالغين مقسمين والله لَقَدْ عَلِمْتَ يقينا ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ اى ميل وحظ بل انما عرضت بناتك علينا لنترك اضيافك وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ يقينا ما نُرِيدُ ثم لما اضطر لوط عليه السّلام من مسارعتهم ومماراتهم

قالَ مشتكيا الى الله مناجيا نحوه لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً ادفع بها خزيي وخزي أضيافي لا دفعكم بتوفيق الله واقداره أَوْ آوِي وارجع حين ظهور عدم مقاومتى ومدافعتي معكم إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ هو حفظ الله وكنف وقايته وجواره وحصين حضانته وحصاره ثم لما رأى الرسل اضطرار لوط واضطرابه إذ هو غلق على أضيافه باب بيته فيجادل مع قومه ويتكلم معهم عند الباب وبعد ما امتدت مجادلته معهم قصدوا ان يثقبوا الجدار فاشتغلوا بالثقب والنقب

قالُوا اى الرسل بعد ما بلغ الم لوط غايته يا لُوطُ لا تغم ولا تضطرب في أمرنا ولا تهلك نفسك غيرة وغيظا إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ ابدا ولن ينالوا باضرارنا حتى اضطررت من أجلنا ذرنا معهم واخرج أنت من بيننا فخرج لوط عليه السّلام مفتحا باب بيته فدخلوا على الرسل بالفور فضرب جبرئيل بجناحه على وجوههم فأعماهم فانقلبوا خارجين صائحين النجاء النجاء فان في بيت لوط سحرة وبعد ما خرجوا فاقدين أبصارهم قال الرسل امر اللوط فَأَسْرِ اى سر ليلا بِأَهْلِكَ وبمن آمن معك بِقِطْعٍ اى بعد مضى طائقة مِنَ اللَّيْلِ وَبعد ما خرجتم لا يَلْتَفِتْ ولا ينظر مِنْكُمْ ايها الخارجون أَحَدٌ خلفه حين سمع حنينهم وأنينهم وتشدد العذاب عليهم إِلَّا امْرَأَتَكَ فإنها تلتفت البتة حين سمعت الصيحة فخرجوا على الوجه المأمور فنزل عليهم العذاب بعد خروجهم بالفور فصاحوا صيحة عظيمة ولم يلتفت احد من الخارجين الا مرأته فلما سمعت التفتت وصاحت وا قوماه فاصيبت هي ايضا بلا تراخ ومهلة إِنَّهُ اى الأمر والشان في علمنا مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ فلما سمع لوط من الرسل ما سمع واستسرع الى مقتهم من شدة ضجرته منهم قالوا له إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ اى موعد هلاكهم صبح هذه الليلة أَلَيْسَ الصُّبْحُ ايها المستعجل بِقَرِيبٍ

فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا على رسلنا باهلاكهم جَعَلْنا اى جعل الرسل باقدارنا وتمكيننا إياهم قريتهم عالِيَها سافِلَها اى يقلبون عليهم بيوتهم وَمع ذلك قد أَمْطَرْنا من جانب السماء عَلَيْها اى على أماكنهم وقراهم حِجارَةً تتحجر مِنْ سِجِّيلٍ وهو معرب سنك وكل مَنْضُودٍ ممتزج منضد بعضها على بعض

مُسَوَّمَةً معلمة مقدرة عِنْدَ رَبِّكَ وحضرة علمه ولوح قضائه لإهلاك هؤلاء البغاة الغواة الهالكين في تيه الغفلة والغرور بها وَبالجملة ما هِيَ اى أمثال هذه البليات والمصيبات مِنَ الظَّالِمِينَ الخارجين عن حدود الله وعن مقتضيات أوامره ونواهيه بِبَعِيدٍ غريب حتى يستغرب في حقهم

وَاذكر يا أكمل الرسل للمؤمنين المعتبرين من ذوى الاستبصار والاعتبار وقت إذ أرسلنا إِلى مَدْيَنَ حين بالغوا التطفيف والتخسير في المكيلات والموزونات أَخاهُمْ ومن شيعتهم شُعَيْباً المتشعب منهم ليكون ادخل في نصحهم واجهد في هدايتهم وإرشادهم قالَ موصيا لهم متحننا على وجه الشفقة والنصيحة يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ الواحد الأحد

<<  <  ج: ص:  >  >>