للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعد ذلك سألوا عنه تعيينه بان قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ اكبير أم صغير قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ كبير في السن وَلا بِكْرٌ صغير فيه بل عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ اى متوسط استكمل سن النمو ولا يميل الى الذبول وبعد ما تحققتم أمرها فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ به ثم لما اشتد خوفهم من الفضيحة بنزول الوحى زادوا في الاستفسار عن التعيين مكابرة وعنادا تسويفا وتأخيرا

حيث قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها من الألوان المتعارفة المشهورة حتى نذبحها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ اصيل في الصفرة كأنه وضع اسم الصفرة بإزائها أولا وبالجملة لَوْنُها كلون الذهب تَسُرُّ النَّاظِرِينَ والسرور عبارة عن الانبساط والانتعاش الحاصل في القلب عند فراغه عن جميع الشواغل في تلك الحالة يتعجب عن كل ذرة بل عن نفسه ويؤدى تعجبه الى التحير فإذا تحير غرق في بحر لا ساحل لها ولا قعر أدركنا يا دليل الحائرين

ثم لما جزموا الإلجاء فقطعوا النظر عن الخلاص كابروا وعاندوا ايضا مبالغين فيها حيث قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ اى ما هويتها وهيئتها المعينة المشخصة وقل له يا موسى حكاية عنا إِنَّ الْبَقَرَ المأمور به تَشابَهَ عَلَيْنا ومتى استوصفناه منك قد وصفتنا بالأوصاف المشتركة العامة وَإِنَّا بعد ما قد عينتها بتعيين الله إيانا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ بذبحها

قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ عجف مهزول بسبب تقليب الأرض واثارتها للزراعة وَلا ذلول سبب ذلتها وضعفها انها تَسْقِي الْحَرْثَ بالدلو والسقاية بل هي مُسَلَّمَةٌ من حين صغرها عن أمثال هذه المذلات بحيث لا شِيَةَ فِيها اى لا عيب ولا ضعف فيها ثم لما بالغوا في الاستفسار الى ان بلغوا على ما قد نووا في نفوسهم الزموا وأفحموا قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ الثابت الكائن في الواقع وفي نيتنا واعتقادنا حكى ان شيخا صالحا من صلحائهم قد كانت له هذه العجلة المتصفة بهذه الصفات فذهب بها الى ايكة فأودعها عند الله وقال اللهم انى استودعها عندك لولدي حتى يكبر ثم مات الشيخ وكانت تلك البقرة في حفظ الله وحمايته حتى يكبر الولد وحدثت تلك الحادثة فيما بينهم فأمر الله سبحانه بذبح تلك البقرة على سبيل الإلجاء فاشتروها بملإ مسكها ذهبا فَذَبَحُوها ملجئين مكرهين وَلولا الجاؤنا إياهم واكراهنا عليهم ما كادُوا وما قاربوا يَفْعَلُونَ لخوف الفضيحة وغلاء ثمنها

وَكيف تفعلونه أنتم مع انكم تعلمون في نفوسكم ان سبب نزوله تفضيحكم واظهار ما كتمتم في نفوسكم اذكروا وقت إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً بغير حق فَادَّارَأْتُمْ وتدافعتم فِيها اى في شانها بان أسقط كل منكم قتلها عن ذمته وقد سترتم أمرها وهدرتم دمها وَاللَّهُ المحيط بسرائركم وضمائركم مُخْرِجٌ مظهر ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ في نفوسكم

فَقُلْنا

لكم بعد ما قد تدارأتم وتدافعتم فيها وأنتم ذبحتم البقرة المأمورة اضْرِبُوهُ

اى المقتول بِبَعْضِها

اى ببعض البقرة اى بعض كان فضربوه فحي المقتول باذن الله فأخبر بقاتله فافتضحوا وارتفعت المداراة كَذلِكَ

اى مثل احياء هذا المقتول بلا سبب يقتضيه عقولكم ويرتضيه نفوسكم يُحْيِ اللَّهُ

القادر على عموم ما يشاء جميع الْمَوْتى

في يوم الحشر والجزاء بلا اسباب ووسائل اقتضتها عقول العقلاء إذ عنده الإبداء عين الإعادة والإعادة عين الإبداء بل الكل في مشيته وقدرته على السواء وَيُرِيكُمْ

قبل ظهور النشأة الاخرى آياتِهِ

الدالة على تحقق وقوعها لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ

رجاء ان تتفكروا وتتفطنوا منها اليه وتؤمنوا بجميع المعقدات الشرعية الدنيوية والاخروية وتصدقوها على وجه التعبد والانقياد بلا مراء ومجادلة مع من اتى بها من الرسل والأنبياء ووارثهم

<<  <  ج: ص:  >  >>