للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِلَّا بِاللَّهِ إذ لا حول ولا قوة بالأصالة الا بالله لذلك عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وثقت والتجأت وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ارجع وأتوقع في عموم ما رجوت إذ هو مولاي ومتولى أموري وعليه اعتمادي واعتضادى

وَبعد ما تفرس منهم العصبية والمراء قال على مقتضى المحبة والشفقة وإرخاء العنان يا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي اى لا يحملنكم بغضي وعداوتي المركوزة في قلوبكم على الجرائم المستجلبة لانواع العذاب والنكال إياكم وبالجملة انى أخاف عليكم أَنْ يُصِيبَكُمْ بسبب جرائمكم وعصيانكم مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ مثل ما أصاب قَوْمَ هُودٍ أَوْ مثل ما أصاب قَوْمَ صالِحٍ وَبالجملة ما قَوْمُ لُوطٍ وقصة استئصالهم وإهلاكهم وتقليب أماكنهم عليهم مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ متماد في البعد بحيث يحصل لكم الذهول عنه لقرب عهدهم

وَيا قوم اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ الذي قد أظهركم من كتم العدم من جميع فرطاتكم ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ وأخلصوا في انابتكم ورجوعكم نحوه ولا تغتموا بعد اخلاص التوبة بما جرى عليكم من الجرائم إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ يقبل توبتكم ويعفو زلتكم الصادرة عنكم فيما مضى وَدُودٌ يحبكم حينئذ ويرحمكم ويتفضل عليكم وبعد ما قد بالغ عليه السّلام في نصحهم وإرشادهم

قالُوا له تسفيها وتخويفا يا شُعَيْبُ نادوه باسمه على سبيل الاستهزاء والاستحقار ما نَفْقَهُ ونعقل كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ اى بعض هذياناتك التي قد تكلفت أنت بها وَإِنَّا وان لم نفهم بعض كلماتك لابتنائها على الخبل والخرق لَنَراكَ في بادى الرأى فِينا ضَعِيفاً في غاية الضعف والحقارة وَبالجملة لَوْلا رَهْطُكَ اى عشائرك واقوامك لَرَجَمْناكَ بالحجارة البتة بسبب هذياناتك هذه وذكرك آلهتنا بالسوء ودخلك على أفعالنا وتصرفاتنا فيها وَاعلم يقينا انك بنفسك ما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ بل عزتك عندنا بسبب رهطك لكونهم إخواننا في الدين فلا نريد إذا هم بقتلك والافتتان بك ورجمك وبعد ما ايس شعيب عليه السّلام عن ايمانهم

قالَ يا قَوْمِ أضافهم الى نفسه هنا تهكما بخلاف ما مضى إذ قد قنط عن صلاحهم بالمرة أَرَهْطِي واقوامى أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ الذي أوجدكم من كتم العدم فعززتموهم وراعيتم جانبهم وَاتَّخَذْتُمُوهُ اى الله سبحانه وأوامره ونواهيه واطاعة رسوله وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا مطروحا منبوذا وراء ظهوركم بل قد رجحتم جانب المصنوع المرجوح على صانعه الراجح وبالجملة إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ من المفاسد مُحِيطٌ بعلمه احاطة حضور بحيث لا يغيب عنه شيء فيفصلها عليكم ويجازيكم بها

وَيا قَوْمِ الناكبين عن طريق الحق المصرين على الباطل اعْمَلُوا ما شئتم عَلى مَكانَتِكُمْ وعلى مقتضى مرتبتكم وشأنكم اىّ عمل شئتم إِنِّي ايضا عامِلٌ على شأنى سَوْفَ تَعْلَمُونَ أنتم وانا ايضا مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ ويرديه وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ منا بالله بسر ربوبيته وتوحيده وَارْتَقِبُوا وانتظروا وترقبوا أنتم بالعذاب والنكال إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ متربص منتظر

وَلَمَّا جاءَ ونفذ أَمْرُنا باهلاكهم نَجَّيْنا وأخرجنا أولا من بينهم شُعَيْباً الناجي وَكذا الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وامتثلوا بما أمروا به من عنده بِرَحْمَةٍ نازلة مِنَّا إياهم تفضلا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أنفسهم حين صاروا في فراشهم بائتين الصَّيْحَةُ الهائلة فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ التي كانوا مترفهين فيها جاثِمِينَ جامدين جثمانهم وأجسامهم بلا روح وصاروا

كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا ولم يسكنوا فِيها فصاح عليهم من صاح من ارباب الفطنة والعبرة أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ

وَبعد ما انقرض أولئك الطغاة الغواة المهلكون في الغي والضلال

<<  <  ج: ص:  >  >>