للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَما نُؤَخِّرُهُ ونسوقه الى يوم الموعود والعذاب المعهود فيه إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ اى الى انقضاء مدة قصيرة

اذكر يا أكمل الرسل عظة وتذكيرا لمن تبعك يَوْمَ يَأْتِ ذلك اليوم الموعود الهائل لا تَكَلَّمُ فيه نَفْسٌ ولا تشفع شافع لشدة هوله وفزعه إِلَّا بِإِذْنِهِ اى باذن الله واقداره إياها فَمِنْهُمْ اى من الموقنين في المحشر يوم العرض الأكبر شَقِيٌّ قد خرج من الدنيا على الشقاوة ووخامة العاقبة وَمنهم سَعِيدٌ قد خرج منها على السعادة وحسن العاقبة

فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا في الدنيا وخرجوا منها على الشقاوة فَفِي النَّارِ اى هم في النشأة الاخرى داخلون في النار مضطرون مضطربون فيها إذ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ اى إخراج نفس من شدة الحرارة وَشَهِيقٌ اى رده يعنى حالهم فيها كحال من استولت الحرارة على قلبه وضاق الأمر عليه فيردد نفسه كما في سكرة الموت وما ذلك الا من شدة كربهم والمهم ولكونهم متناهيين في الشقاوة والقساوة في دار الدنيا لا ينقطع عذابهم فيها أصلا بل صاروا

خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ اى ما تحقق الجهتان الحقيقيتان اى الفوق والتحت إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ وتعلق ارادته ومشيته بإخراج البعض منها كفساق المؤمنين وبالجملة إِنَّ رَبَّكَ يا أكمل الرسل فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ وله الاختيار التام في عموم مراداته ومقدوراته ومن جملتها إخراج بعض العصاة عن نيران الإمكان

وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا في الدنيا وخرجوا على السعادة منها فَفِي الْجَنَّةِ اى هم في النشأة الاخرى في الجنة التي أعدت للسعداء الآمنين الفانين الفائزين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ متنعمين فيها مترفهين بأنواع النعم الجسام إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ وتعلق ارادته ان يرفعهم بأعلى منها الا وهو الانكشاف الذاتي والتجلي الشهودى كل ذلك لمن يعطى عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ متناه مقطوع إذ لا انقطاع للتجليات الذاتية ولا للذاتها المترتبة عليها بالنسبة الى الفائزين بها جعلنا الله من خدامهم وتراب اقدامهم وبعد ما تبين حال السعداء المقبولين والأشقياء المردودين

فَلا تَكُ أنت يا أكمل الرسل فِي مِرْيَةٍ شك وتردد مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ المشركون ان يستجلب عليهم العذاب والنكال كما استجلب على أسلافهم إذ هم ما يَعْبُدُونَ لأوثانهم وأصنامهم إِلَّا كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ وأسلافهم إياها مِنْ قَبْلُ فيلحقهم مثل ما لحقهم لان اشتراك الأسباب يوجب اشتراك المسببات بالضرورة وَإِنَّا وان امهلناهم زمانا في الدنيا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ وحظهم من العذاب في الآخرة مثلهم غَيْرَ مَنْقُوصٍ عن عذابهم عدلا منا إياهم

وَكيف لا نوفى العذاب على المشركين لَقَدْ آتَيْنا من عظيم جودنا مُوسَى الْكِتابَ اى التورية حين نشأ الجدال والمراء والكفر والفسوق بين بنى إسرائيل واضمحلت العدالة بالكلية فَاخْتُلِفَ فِيهِ مثل اختلافهم في كتاب الذي هو أفضل الكتب علما واحاطة واجمعها حكما وأشملها معرفة وأكملها حقيقة وكشفا وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ في انظار هؤلاء الكفرة وإمهالهم الى يوم القيمة لَقُضِيَ حكم وفصل بَيْنَهُمْ الآن بحيث يتميز المحق من المبطل فيلحق المبطلين وبال ما صنعوا فهلكوا كما هلكوا وَإِنَّهُمْ اى كفار قومك يا أكمل الرسل من غاية انهماكهم في الغفلة وتماديهم في العناد والاستكبار لَفِي شَكٍّ مِنْهُ اى من امر القرآن مع انهم قد عارضوا معه مرارا فأفحموا مُرِيبٍ موقع في الريب والشك سيما بالنسبة الى الخرق المنحطين عن التأمل في مرموزاته والتدرب في إشاراته

ثم قال سبحانه وَإِنَّ كُلًّا اى ما كلا

<<  <  ج: ص:  >  >>