للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على عموم مراداتنا ومقدوراتنا

إِنَّا من مقام عظيم لطفنا وجودنا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً منظما على صور الألفاظ والعبارات مترجما عما عليه الأمر في حضرة علمنا الحضوري عَرَبِيًّا أسلوبه عناية منا إليكم لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ معناها وتطلعون على مرموزاتها وإشاراتها وتطرحون عقولكم المموهة لكم لكشف سرائرها وخفياتها

نَحْنُ من كمال لطفنا معك يا أكمل الرسل نَقُصُّ عَلَيْكَ تأييدا لأمرك تعظيما لشأنك أَحْسَنَ الْقَصَصِ سماعا واستماعا وأكملها انتفاعا وأشملها عبرة وأتمها فائدة وأعمها عائدة إذ الفطن اللبيب قد استفاد منها من العبر والتذكيرات والرموز والإشارات ما يكفى مؤنة سلوكه في امر دينه لو كان من ذوى الرشد واهل الخبرة والبصيرة وانما علمنا هالك ونبهنا عليك ملتبسا بِما أَوْحَيْنا وبمقتضى ايحائنا وانزالنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ المخبر عن المغيبات المكنونة المخزونة في حضرة علمنا ولوح قضائنا وَإِنْ كُنْتَ أنت في نفسك مِنْ قَبْلِهِ اى من قبل وحينا والهامنا إياك لَمِنَ الْغافِلِينَ

اذكر يا أكمل الرسل وقت إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ حين بلغ الحلم وترقى من الطفولية يا أَبَتِ ناداه تحننا اليه إِنِّي رَأَيْتُ في المنام أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً من الكواكب العظام وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ

ايضا معهن رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ جميعا واضعين جباههم على تراب المذلة والهوان عندي تعظيما وتكريما جمعها جمع العقلاء باعتبار ما يئول اليه ويأول به ثم لما تفرس أبوه من رؤياه ما تفرس بادر الى نهيه ومنعه عن الانتشار والإفشاء لإخوته

حيث قالَ له أبوه قبل ان يشتغل بتأويلها وتعبيرها يا بُنَيَّ صغره تلطفا عليه وإشفاقا وتخوفا من كيد اخوته معه لا تَقْصُصْ ولا تذكر رُؤْياكَ التي قد رأيتها عَلى إِخْوَتِكَ لئلا يحسدوا لك من ارتفاع شأنك فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً باغواء الشيطان إياهم ويحتالوا لمقتك وهلاكك حسدا ومكرا عليك وبالجملة إِنَّ الشَّيْطانَ المغوى المضل لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ظاهر العداوة محيل عظيم يعاديهم في لباس الصداقة ويفسدهم في صورة الإصلاح

ثم لما سارع يعقوب عليه السّلام بالنهى عن الإفشاء تحذيرا وتخويفا له من كيد اخوته اشتغل بتأويل رؤياه فقال وَكَذلِكَ اى ومثل اراءتك هذه الرؤيا وتخصيصك بها يَجْتَبِيكَ وينتخبك رَبُّكَ من بين الناس ويخصك بالرياسة العظمى والمرتبة العليا إلا وهي النبوة والنيابة الإلهية وَبعد ما يصطفيك ويجتبيك يُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ اى يخصصك بعلم الرؤيا وتعبيرها بحيث قد انكشف لك حضرة الخيال انكشافا تاما وَبالجملة يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَبوسيلتك عَلى آلِ يَعْقُوبَ وبنيه وأحفاده ومن ينتمى اليه من ذرياته وان سفل كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ وجديك مِنْ قَبْلُ في سالف الزمان يعنى إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ قد أعطاهما من الانعام والإفضال ما لم يعط أحدا من الخلة والإنجاء والانقاذ والفدية والخلاص وغير ذلك من النعم الجسام إِنَّ رَبَّكَ الذي رباك بأنواع اللطف والكرم عَلِيمٌ بعلمه الحضوري باستعدادات عباده على مقتضى ما ثبت في لوح قضائه اجمالا حَكِيمٌ في صور تفاصيله وفق الإجمال بحيث لا يشذ عن حيطة علمه شيء

واعلم يا أكمل الرسل انه لَقَدْ كانَ فِي قصة يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ وما جرى بينهم من الحيل والمخادعات وإسقاط المروءة وانواع الخيانات والجنايات الناشئة من القوى الطبيعية التي هي من مقتضيات الهيولى ولوازم الأركان والإمكان ومن الانابة والرجوع منها الى الله في الخلوات واظهار الندم والاستحياء من الله ومن يوسف وأبيه آياتٌ دلائل واضحات وشواهد لائحات دالة على سرائر التوحيد واسرار العرفان

<<  <  ج: ص:  >  >>