للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الأولياء والأصفياء ولا يتيسر لكم هذه الرتبة العلية الا بعد ذبحكم بقرة النفس الامارة المسلطة بالقوة التامة عليكم المتلونة بألوان المسرة لنفوسكم وطباعكم المسلمة الممتنعة من التكاليف الشرعية من الأوامر والنواهي وضربكم بها على النفس المطمئنة المقهورة المقتولة ظلما لتصير حية بالحيوة الابدية باقية بالبقاء السرمدي فتخبركم عن صنائع امارتكم الظالمة المتجاوزة عن الحد خلصنا الله وعموم عباده من غوائلها

ثُمَّ قَسَتْ بالقساوة الاصلية والرين الجبلي قُلُوبُكُمْ المتكبرة المتجبرة الصلبة البليدة مِنْ بَعْدِ ذلِكَ الأحياء الملين للقلوب الخائفة الوجلة عن خشية الله وبعد ما لم يلين قلوبكم ولم يؤثر فيها هذه الآية الكبرى فَهِيَ اى فظهر انها اى القلوب القاسية في الصلابة والقساوة كَالْحِجارَةِ التي لا تقبل النقر والأثر أصلا أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً بل أشد صلابة من الحجارة فان من الحجارة ما تتأثر بالحيل وقلوبكم لا تقبل التأثر أصلا وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ ويتأثر منها وقلوبكم لا تتأثر بأنهار المعارف المنشعبة عن بحر الذات الجاري على جداول السنة الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ اى يتأثر بالشقوق الحادثة بأنفسها بالتحليل الحاصل من مر الدهور وكر الأعوام او من مؤثر خارجى وبعد ما تشقق فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ فيدخل فيه الماء وقلوبكم لا تتأثر لا بنفسها ولا بالمؤثر الخارجي وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ ينزل من أعلى الجبل مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ الناشئة من ظهور الآيات مثل المطر الهاطل والريح العاصفة والزلزلة القالعة وغير ذلك من الآيات الظاهرة في الآفاق وقلوبكم لا تتأثر بالآيات الباهرة النازلة عليكم من ربكم ترغيبا وترهيبا هذا تقريع وتوبيخ لهم على ابلغ وجه وآكده وحث على المؤمنين وتحذير لهم عن أمثالها بأنهم مع قابليتهم على التأثر لا يقبلون الأثر النافع لهم في الدارين والحجارة مع صلابتها وعدم قابليتها تتأثر فهم في أنفسهم أسوأ حالا وأشد قساوة وصلابة منها ومع ذلك تخادعون الله بالستر والإخفاء وتظنون غفلته وَمَا اللَّهُ المظهر لذواتهم وأشباحهم المحيط بعموم مخايلهم وحيلهم بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ولو طرفة وخطرة ولمحة

ثم لما ذكر سبحانه امتنانه على بنى إسرائيل وانعامه إياهم بأنواع النعم وذكر ايضا ظلمهم وعدوانهم وكفرانهم نعمه أراد أن ينبه على المؤمنين المحمديين المتمنين ايمان اليهود وانقيادهم على رسول الله صلى الله عليه وسلّم ومواخاتهم مع المؤمنين بان متمناكم وملتمسكم محال أَفَتَطْمَعُونَ يعنى الم تسمعوا قصتهم ولم تعرفوا خباثتهم ودناءتهم وذلتهم المضروبة عليهم وسوء معاملتهم مع أنبيائهم المبعوثين إليهم فترجون منهم طامعين أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ اى لنبيكم ويحابوا معكم لله مع علمكم بحالهم وَلم تسمعوا متواترا انه قَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ اى من أسلافهم قوم يَسْمَعُونَ ويتلون كَلامَ اللَّهِ النازل لهم يعنى التورية وفيه وصف نبينا صلّى الله عليه وسلّم فيضطربون ويستثقلون بعثته صلّى الله عليه وسلّم ثُمَّ لما قرب عهده صلّى الله عليه وسلّم وظهر بعض علاماته استشعروا من اماراته انه صلّى الله عليه وسلّم هو النبي الموعود في كتابهم أخذوا يُحَرِّفُونَهُ اى الكتاب حسدا وعنادا ويغيرونه مكابرة مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ جزموه وحققوه انه هو وَهُمْ ايضا في أنفسهم يَعْلَمُونَ مكابرتهم وعنادهم ويجزمون في نفوسهم حقيته ويقولون في خلواتهم انه وان كان النبي الموعود لكن لا نؤمن له لأنه من العرب لا منا ومنهم من آمن وصدق ظاهرا لمصلحة دنيوية وهو في نفسه على خباثته الاصلية ودنائته الجبلية بل أخبث منهم

وَعلامة خباثتهم انهم إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا وأخلصوا في ايمانهم قالُوا آمَنَّا برسولكم الذي

<<  <  ج: ص:  >  >>