للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والديدنة القبيحة سيما مع من يربيني ويحسن الى فكيف إِنَّهُ اى الشان هذا رَبِّي يربيني بأنواع اللطف والكرم سيما قد أَحْسَنَ مَثْوايَ وأوصلني بإحسانه فكيف اسئ في مقابلة احسان محسنى ومتولى امرى ومتولى نعمى وبالجملة إِنَّهُ اى الشان لا يُفْلِحُ ولا يفوز الظَّالِمُونَ بالخير والحسنى لو خرجوا عن مقتضى الأمر الإلهي سيما بالإساءة في مقابلة الإحسان

وَبعد ما قد رد يوسف عليها أمرها وبالغت هي فيه ولم تفد بل هي لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ اى قصدت وتعلقت زليخا به ارادة واختيارا وَهَمَّ يوسف ايضا بِها بمقتضى بشريته مع انه لا ارادة له بمرادها ولا اختيار إذ الكف عن المنهي لا بد وان يكون عند القدرة عليه والا لم يكن ممدوحا ولا مستوجبا للمثوبة والقربة لَوْلا أَنْ اى ان يوسف رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ ودليله الواضح الدال على قبح الزنا واساءة المحسن بإلقاء الله إياه والهامه في قلبه لهلك البتة بطغيان نيران القوة الشهوية لكن قد رآه باراءة الله إياه فأبى وامتنع وبالجملة كَذلِكَ فعلنا معه وألهمنا عليه لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ في مقابلة الإحسان وَالْفَحْشاءَ بدل العصمة والعفاف إِنَّهُ اى يوسف الصديق مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ الخالصين عن رين البشرية وشين شهويتها وغضبيتها المنزهين عن مقتضيات القوى البهيمية مطلقا وبعد ما قد غلب على يوسف الاتقاء عن محارم الله بمقتضى البرهان الذي قد رآه باراءة الله إياه بادر نحو الفرار منها وقصد ان يخرج من البيت وقصدت ايضا ان تمنعه عن الخروج

وَاسْتَبَقَا الْبابَ وتسابقا نحوه فسبقها يوسف فأخذت ذيل قميصه وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ وشقت ذيله مِنْ دُبُرٍ إذ هي في عقبه ففتح يوسف الباب فخرجا متعاقبين مضطرين وَأَلْفَيا سَيِّدَها وصادفا زوجها لَدَى الْبابِ وعنده قالَتْ مسرعة باكية على سبيل الشكاية ما جَزاءُ واى شيء مكافاة مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً وقصد الزنا معها مكرها إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ غير ان يقيد ويدخل في السجن أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ مؤلم أشد من السجن وانما فعلت كذلك وبادرت الى الشكوى متباكية لتظهر براءتها وعفتها عند زوجها وتحمل الخطأ على يوسف لتنتقم عنه او تلينه وترضيه وتضطره الى إنجاح مرادها منه مع انها قد شغفها حبا بحيث لم تصبر عنه لخطة

قالَ يوسف حينئذ مستحييا من ربه يا سدى مالي في ذلك خطأ بل هِيَ بنفسها قد راوَدَتْنِي وخادعتنى عَنْ نَفْسِي مرارا وأمرت على بالفعل الشنيع تكرارا فلم اقبله منها ولم ارض به وَبعد ما تعارضا عند السيد قد شَهِدَ شاهِدٌ هو صبي في المهد شهد في غير أوانه إذ هو رضيع لم يتكلم بعد بإنطاق الله إياه واقداره عليه وأبهم في الشهادة وأجمل إذ هو مِنْ أَهْلِها وابن عمها او ابن خالها فقال الشاهد الرضيع إِنْ كانَ قَمِيصُهُ اى قميص يوسف قُدَّ وشق مِنْ قُبُلٍ ومن قدامه فَصَدَقَتْ زليخا وَهُوَ اى يوسف مِنَ الْكاذِبِينَ في دعوى البراءة والتنزه

وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ وخلف فَكَذَبَتْ هي في دعوى العصمة والبراءة وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ فيما ادعى من البراءة والعفة

فَلَمَّا رَأى اى السيد قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ تفرس الى براءته وطهارة ذيله مع ان الشاهد ايضا ليس من ارباب الولاية إذ هو صبي رضيع في المهد لم يتكلم الا بهذا فكوشف من نجابته وعفته ما كوشف وتوجه نحو زوجتها وقالَ مقرعا عليها معرضا إياها إِنَّهُ وما وقع من أمثال هذا الأمر والشان مِنْ كَيْدِكُنَّ ومكركن أيتها المحتالات إِنَّ كَيْدَكُنَّ وحيلتكن أيتها الماكرات المفسدات عَظِيمٌ من كيد الشيطان ومكره إذ الشيطان قد يستعين

<<  <  ج: ص:  >  >>