للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هو الرسول الموعود في التورية يقينا وصدقناه في جميع ما جاء به من عند ربه وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ يعنى المنافقين مع المصرين المجاهرين بالكفر قالُوا اى كل من الفريقين لآخر عند المشاورة وبث الشكوى أترون امر هذا الرجل كيف يعلو ويترقى وما هو الا النبي المؤيد الموعود في التورية اى شيء تعملون يا معاشر اليهود أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وأخبركم في كتابه من شيمه وأوصافه لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ ويغلبوا عليكم ويترقبوا عِنْدَ رَبِّكُمْ فالعار كل العار أم تحرفون كتابكم وتحكون منه أوصافه وبالجملة لا تسلموا غيرة وحمية أَفَلا تَعْقِلُونَ ولا تتفكرون ولا تتأملون ايها المتدينون بدين الآباء في امر هذا الرجل هكذا جرت وصدرت منهم دائما أمثال هذه الهذيانات الى ان يتفرقوا قل يا ايها الرسول في حقهم نيابة عنا على سبيل التعجب

أَوَلا يَعْلَمُونَ ولا يفقهون أولئك المجبولون على فطرة الدراية والشعور أَنَّ اللَّهَ المحيط بظواهرهم وبواطنهم يَعْلَمُ بعلمه الحضوري عموم ما يُسِرُّونَ من الكفر والتكذيب عنادا ومكابرة وَكذا عموم ما يُعْلِنُونَ من القول غير المطابق للاعتقاد هذا حال علمائهم وأحبارهم

وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ ولا يفهمون من انزاله وإرساله والامتثال بما فيه من الأوامر والنواهي وجميع المعتقدات الشرعية والتكاليف الإلهية إِلَّا أَمانِيَّ كسائر الأماني الدنياوي وانما أخذوها تقليدا لرؤسائهم ورهابينهم وَإِنْ هُمْ اى ما هم في أنفسهم زمرة العقلاء من المميزين في المعتقدات الشرعية إِلَّا يَظُنُّونَ يعنى ما هم سوى انهم يظنون ظنا بليغا في تمييز علمائهم المحرفين للكتاب وبواسطة هذا الظن الفاسد لم يؤمنوا بنبينا صلّى الله عليه وسلّم.

ثم لما كان المحرفون ضالين في أنفسهم مضلين لغيرهم من اتباعهم استحقوا أشد العذاب فَوَيْلٌ اى حرمان عظيم عن لذة الوصول بعد ما قرب الحصول او طرد وتبعيد عن ذروة الوجوب الى حضيض الإمكان او عود وترجيع لهم من الحرية السرمدية الى الرقية الابدية في النشأة الاخرى لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ بعد تحريفهم بآرائهم السخيفة ثُمَّ يَقُولُونَ لسفلتهم وجهلتهم ترويجا لتحريفهم وتغريرا هذا ما نزل مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وانما قالوا كذلك لِيَشْتَرُوا بِهِ اى بنسبة هذا المحرف الى الله ثَمَناً قَلِيلًا على وجه التحف والهدايا من الضعفاء الذين يظنونهم عقلاء أمناء في امور الدين كما يفعله مشايخ زماننا انصفهم الله مع من يتردد حولهم من عوام المؤمنين ثم لما كان الويل عبارة عن نهاية مراتب مقتضى القهر والجلال وغاية البعد عن مقتضيات اللطف والجمال كرره سبحانه مرارا وفصله تكرارا تحذيرا للخائفين المستوحشين عن طرده وابعاده حيث قال فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ من المحرفات الباطلة وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ من الفتوحات والمعاملات الخبيثة ومن جملة هذياناتهم مع ضعفائهم انهم لما ظهر فيما بينهم واشتهر ما نزل في التورية ان الذين اتخذوا العجل آلها من دون الله يدخلون النار قد اضطربت الضعفاء منهم من هذا الكلام الى حيث خاف المحرفون من اضطرابهم ان يميلوا الى الإسلام

وَقالُوا لهم تسلية وتسكينا لا تضطربوا ولا تبالوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ بسبب عبادة العجل إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قلائل أربعين مقدار مدة عبادة العجل او اقل من ذلك قُلْ لهم يا أكمل الرسل توبيخا وتقريعا أَتَّخَذْتُمْ أنتم وأخذتم عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً او نزل عليكم في كتابكم بان لا تمسكم النار الا أياما معدودة فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ البتة ان ثبت وجرى منه سبحانه هذا العهد بل نحن ايضا من المؤمنين له المصدقين به أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ افتراء ما لا تَعْلَمُونَ ثبوته عنده فيجازيكم بما افتريتم البتة

بَلى اى بل الأمر الحق والشان المحقق الثابت

<<  <  ج: ص:  >  >>