للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبين ابى بمدة مديدة ضنا وحسدا فأنقذني الله عن مكرهم وكيدهم واخلصنى عن قيد الرقية والسجن وانواع المحن وقد رفع الآن قدري ومكانتى وشرفني بلقياك يا أخي وأعطاني من الكرامات ما لا يعد ولا يحصى فَلا تَبْتَئِسْ ولا تحزن يا أخي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ معى ومعك من انواع الصغار والهوان واصناف الأذيات ثم لما أقر عينا بنيامين بوجه يوسف وسر قلبه بلقياه سيما بعد ما ايس وقنط يأسا كليا قال يا أخي انا لا أفارقك ابدا قال له يوسف لا يتيسر لنا هذا الا بعد ان اتهمك بتهمة فآخذك لأجلها ان رضيت قال رضيت انا باية تهمة اتهمتنى أنت بها

فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ على الوجه المعهود وشدوا رحالهم جَعَلَ السِّقايَةَ اى امر يوسف للخدمة ان يجعلوا السقاية التي بها يكال الأقوات وهي من الفضة وقيل من الذهب فِي رَحْلِ أَخِيهِ بنيامين وبعد ما شدوا الرحال ودعوا مع العزيز جميعا فخرجوا ثُمَّ بعد ما خرجوا من البلدة أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ وصاح عليهم صائح من شرطة العزيز أَيَّتُهَا الْعِيرُ والقفل الزموا مكانكم الى اين تمشون إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ

قالُوا مدبرين وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ اى على الصائحين مضطربين خائفين ماذا تَفْقِدُونَ ايها الفاقدون المتفقدون

قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ اى الظرف الذي يصاع ويكال به وَبالجملة لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ من الكيل وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ ضمين اتكفل ان أتفحص من رحله

قالُوا مضطربين مقسمين مستبعدين تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ايها الخدمة والعزيز ايضا انا ما جِئْنا عندكم وفي أرضكم لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ سيما السرقة فإنها من اكبر الفسادات في دين أبينا وَبالجملة ما كُنَّا سارِقِينَ أصلا إذ نحن أولاد الأنبياء ولا يليق بنا أمثال هذه

قالُوا اى الشرطة والخدام فَما جَزاؤُهُ واى شيء جزاء السارق منكم إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ في دعوى البراءة والنزاهة

قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ نفسه وشخصه جَزاؤُهُ اى جزاء سرقته بان يسترق سنة وقد كان جزاء السارق في دين يعقوب استرقاق سنة وبالجملة كَذلِكَ ومثل ما قلنا نَجْزِي الظَّالِمِينَ السارقين في دين أبينا يعقوب عليه السّلام

ثم لما أفتوا بما أفتوا أخذوا بالكشف والتفتيش فَبَدَأَ الزاعم بِأَوْعِيَتِهِمْ وتفتيشها وتفحصها قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ بنيامين ثُمَّ بعد ما استقصى الكل واستقرأه تفتيشا اسْتَخْرَجَها اى السقاية مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ لئلا يظن انهم يدسونها في رحله كَذلِكَ اى مثل كيد يوسف لاخذ أخيه بنيامين قد كِدْنا لِيُوسُفَ في اخذه من يد إخوتهم وخلاصه من الرق والسجن وكدنا له ايضا في أخذ أخيه من اخوته بفتواهم ايضا إذ ما كانَ وما صح وما جاز له لِيَأْخُذَ أَخاهُ بجرم السرقة فِي دِينِ الْمَلِكِ اى ملك مصر إذ في دينه الضرب وأخذ ضعف ما سرق منه إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ هذا الحكم المخصوص في دين الملك وألهمه يوسف بنفاذه او يحكم يوسف عليه السّلام في هذه المسألة على دين آبائه او كان الملك قد اسلم بيده ودخل بدين آبائه على ما نقل إذ نَرْفَعُ ونعلو دَرَجاتٍ ومراتب ومنازل مَنْ نَشاءُ من عبادنا بازدياد انواع الفضائل والكمالات والحقائق والمعارف وَلا يبعد منا أمثال هذا إذ فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ أعلى واعلم منه لا الى نهاية إذ لا انقطاع لتجددات التجليات أصلا لذلك قال سبحانه الا طال شوق الأبرار الى لقائي ومن وراء شئوني وتجلياتى ثم لما شاهد الاخوة استخراج الوعاء من رحل بنيامين اضطربوا اضطرابا شديدا وتحزنوا حزنا بليغا

قالُوا مغاضبين عليه مريدين مقته إِنْ يَسْرِقْ هذا اللئيم فلا تتعجبوا منه إذ هي من ديدنة أخيه قد سرت عليه فَقَدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>