للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مع الملك وجنوده وجميع اهل مصر

فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ ووصلوا اليه آوى إِلَيْهِ وحنن نحوه أَبَوَيْهِ فضمهما يوسف الى نفسه وواسى معهما وآنس بهما وزال وحشته ووحشتهما وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ عن نكبات الجدب والقحط واذيات الرحيل

وَبعد ما دخلوا على بيته رَفَعَ أَبَوَيْهِ تعظيما لهما وتوقيرا عَلَى الْعَرْشِ الذي يجلس هو عليه وهو بنفسه يقوم بين يديهما وَبعد ما تمكن ابواه على عرشه خَرُّوا لَهُ وبنوهما سُجَّداً لله شكرا للقياه وشرف حضوره سجود شكر وخضوع ولما رأى يوسف سجود هؤلاء تذكر ما رأى في المنام في أوان الصبا وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ في سالف الزمان قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا صدقا محققا مطابقا للواقع وَقَدْ أَحْسَنَ بِي بأنواع الإحسانات إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ بعد ما كنت فيه مدة مديدة وَأعظم منه انه قد جاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ والبادية البعيدة سيما مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ وأوقع الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي بأنواع الإيقاعات والوساوس وبالجملة إِنَّ رَبِّي الذي رباني بأنواع اللطف والكرم لَطِيفٌ مدبر كامل وموفق كافل لِما يَشاءُ من الأمور ويريد إصلاحه إِنَّهُ بذاته هُوَ الْعَلِيمُ بعلمه الحضوري بمصالح عباده الْحَكِيمُ المتقن في أفعاله على مقتضى ما تعلق به علمه وارادته

ثم دعا يوسف عليه السّلام لنفسه وناجى ربه مناجاة صادرة عن محض الحكمة والزكاء والفطنة بقوله رَبِّ يا من رباني بلطفك وفضلك بأنواع التربية واصناف النعم والكرامة بحيث قَدْ آتَيْتَنِي وأعطيتني مِنَ الْمُلْكِ الظاهر اى الحكومة المتعلقة بعالم الشهادة وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ والعبور من صور الحوادث الكائنة في عالم الشهادة والخيال الى ما في عالم الغيب من الصور المقتضية إياها يا فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى عالم الأسماء والصفات التي قد انعكست منها هذه الاظلال الهالكة الشهادية أَنْتَ بذاتك بعد ما قد تحققت بتوحيدك وانكشفت به وارتفعت الحجب بيني وبينك وَلِيِّي ومتولى امرى وحامل أسراري فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ اى في النشأة الاولى والاخرى تَوَفَّنِي واقبضنى يا ربي نحوك مُسْلِماً مسلما مفوضا عموم أموري إليك وَأَلْحِقْنِي بمقتضى فضلك ولطفك بِالصَّالِحِينَ الذين أصلحوا نفوسهم في النشأة الاولى والاخرى حتى يفوزوا من عندك بشرك اللقيا

ذلِكَ المذكور من قصة يوسف وما جرى بينه وبين اخوته وبين امرأة العزيز وغير ذلك من الوقائع الهائلة الواقعة على يوسف وعلى أبيه وأخيه من حسد اخوتهما مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ ومن الاخبارات التي قد سترت عنك وعن قومك يا أكمل الرسل نُوحِيهِ إِلَيْكَ ونعلمك نحن بالوحي والإلهام وَبالجملة ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ ودونهم وفي جمعهم وقت إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ ويقصدون المكر والخداع مع يوسف وأبيه بعد ما شاوروا كثيرا في إهلاك يوسف وابعاده من عند أبيه واستقرار رأيهم بعد تكرر المشاورة على ما فعلوا به واتفقوا عليه وما أنت ايضا من اهل الإملاء والنسخ حتى تضبط قصصهم من التواريخ ولا من اهل التعلم لتستفيد من الغير بل ما هي الا مجرد وحى يوحى إليك من عندنا

وَما أَكْثَرُ النَّاسِ الذين يترددون بين يديك ودونك وَلَوْ حَرَصْتَ أنت بايمانهم وإذعانهم بِمُؤْمِنِينَ لك مصدقين بما جئت به من عند ربك

وَما عرض لهم ولحق لنفوسهم من الغفلة لم يقبلوا منك ما قلت لهم إذ ما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ اى على تبليغ ما قد جئت به من عند الله مِنْ أَجْرٍ جعل ومال من حطام الدنيا كما يفعله حملة الاخبار

<<  <  ج: ص:  >  >>