للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معينة في مدة مقررة لا ينقص منها ولا يزيد عليها والاطلاع عليها وعلى كيفياتها وكمياتها مما قد استأثر الله به في غيبه إذ هو بذاته

عالِمُ الْغَيْبِ اى مطلق الأمور التي قد خفى علينا وغاب عنا انيته ولميته وَالشَّهادَةِ اى الأمور التي قد ظهر لنا انيته دون لميته وكيف لا يعلم الغيب والشهادة سبحانه إذ هو الْكَبِيرُ في ذاته الْمُتَعالِ المنزه المستغنى بصفاته الكاملة عن الاتصاف بصفات كلا العالمين ولوازمهما وان كان كل منهما ايضا من اظلال أوصافه الذاتية وأسمائه الحسنى واعلموا ايها الاظلال الهالكة ان كل ما صدر عنكم وجرى عليكم

سَواءٌ عنده سبحانه بالنسبة الى حيطة حضرت علمه المحيط المتعلق بأحوال المكونات مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وأخفاه وأضمره في نفسه وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وأظهره وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ اى مستتر متغط بِاللَّيْلِ وَكذا من هو سارِبٌ بارز ظاهر بِالنَّهارِ إذ لا يشغله شأن عن شأن ولا يحجب عليه الأستار والسدول ولا يعين عليه البروز والظهور إذ لا يخفى عليه شيء لا في الأرض ولا في السماء

بل لَهُ سبحانه بالنسبة الى كل شيء من الأشياء حتى الذرة والنملة والخطفة والطرفة مُعَقِّباتٌ من الأوصاف الإلهية مسميات بالملائكة يعقبن عليه متواليا دائما متتاليا محيطات إياه حافظات له مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ عما لا يعنيه وينافره ويؤذيه وما هو الا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إياهم وتعلق ارادته ومشيته بحصانته وحفظه على مقتضى لطفه وجماله إِنَّ اللَّهَ المدبر لأمور عباده المصلح لأحوالهم لا يُغَيِّرُ ولا يبدل ما بِقَوْمٍ من النعمة والعافية والرفاهية والفرح والسرور حَتَّى يُغَيِّرُوا ويبدلوا ما بِأَنْفُسِهِمْ من محاسن الأخلاق ومحامد الأوصاف الى المقابح والمذام بترك أوامر الله وارتكاب نواهيه وَبالجملة إِذا أَرادَ اللَّهُ المطلع بسرائر عباده واستعداداتهم بِقَوْمٍ سُوْءاً ناشئا من خباثة طينتهم ورداءة فطرتهم فَلا مَرَدَّ لَهُ اى لا يمكن لاحد من خلقه ان يرد ارادته وَكيف يرد مراده سبحانه مع انه ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ سبحانه مِنْ والٍ يتولى أمورهم ويرجعون نحوه في الوقائع والخطوب

وكيف يرجعون الى غير الله ويستردون مراده سبحانه منه مع انه هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ بغتة ويورث منه فيكم خَوْفاً من ان يصابوا به وَطَمَعاً بما هو مستتبع له من المطر وَايضا يُنْشِئُ من الابخرة المتصاعدة السَّحابَ المتراكم من الابخرة الثِّقالَ بالمياه المتكثرة

وَحين اراءة البروق وإنشاء السحب يُسَبِّحُ الرَّعْدُ المتكون من اصطكاك الابخرة والادخنة المحتبسة بين السحب المتراكمة بِحَمْدِهِ اى بحمد الله بإلقاء الملائكة الموكلين عليه المعاقبين الممدين له إياه وَالْمَلائِكَةُ ايضا يسبحون حينئذ بحمده مِنْ خِيفَتِهِ وخشيته سبحانه ومن سطوة سلطنة قهره وجلاله وَايضا يُرْسِلُ سبحانه الصَّواعِقَ الكائنة من الابخرة والاجنة المحترقة بالاجزاء النارية فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ إهلاكه وقتله زجرا له وانتقاما عليه وَبالجملة هُمْ مع غاية ضعفهم وعدم قدرتهم وقوتهم يُجادِلُونَ ويكابرون فِي توحيد اللَّهِ وفي عموم ما جاءت به رسله من عنده من الأوامر والنواهي المتعلقة بالنشأة الاولى والاخرى وَالحال انه لكمال قدرته وبسطته وسلطنته القاهرة وجلاله الغالب هُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ صعب المكابدة شديد الانتقام سيما لمن جادل معه وكذب رسله بالباطل

لكن لَهُ سبحانه دَعْوَةُ الْحَقِّ المطابق للواقع الصادرة من الرأى المحق المتحقق بمرتبة التوحيد اى قبولها وإجابتها وإنجاحها لمن دعا بها مخلصا في دعائه وتوجهه بها نحو الحق

<<  <  ج: ص:  >  >>