للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالأصنام والأوثان الَّذِينَ يَدْعُونَ المشركون المسرفون المكابرون إياهم مِنْ دُونِهِ اى من دون الله لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ قليل مما يطلبونه فكيف بالكثير بل ما مثلهم في دعوة الأصنام ودعائهم إياهم إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ اى كمثل عطشان قد بسط كفيه الى الماء يدعوه لِيَبْلُغَ فاهُ ويرويه والحال انه غائر عميق وهو جماد لا شعور له ليجيب دعوته وَما هُوَ بِبالِغِهِ وبسبب ذلك قد زاد عطشه وحرقة قلبه وزفرة صدره كذلك المشركون يدعون أصنامهم ليشفعوا لهم ويصلوا الى مرامهم بواسطتهم والحال انه هم جمادات لا يقدرن على الإيصال والقبول أصلا وَبالجملة ما دُعاءُ الْكافِرِينَ الساترين باباطيلهم الكاذبة وأوثانهم الباطلة العاطلة نور الحق الحقيق بالحقية الوحيد في الألوهية الفريد بالمعبودية إِلَّا فِي ضَلالٍ ضياع وخسران وحرمان وخذلان وبطلان

وَكيف يتوجه ويدعى لغير الحق مع انه لا اله الا هو ولا شيء سواه لذلك لِلَّهِ المتأصل في الوجود المتصف بالقيومية لا لغيره من الاظلال الهالكة في أنفسها يَسْجُدُ ويتذلل ويتضرع عموم مَنْ فِي السَّماواتِ اى في عالم الأسماء والصفات المسماة بالأعيان الثابتات وَكذا عموم من في الْأَرْضِ اى عالم الطبائع والأركان من الصور والهياكل المتكونة المنعكسة من الأسماء والصفات طَوْعاً طائعين راغبين عن خبرة واستبصار وَكَرْهاً كارهين عن حيرة وضلال وَايضا يسجد له سبحانه ظِلالُهُمْ اى لوازم هوياتهم وما يترتب عليها دائما بِالْغُدُوِّ اى في أول الظهور والبروز وَالْآصالِ اى في وقت الانمحاء والزوال

قُلْ يا أكمل الرسل لمن عاند الحق وجادل مع اهله مكابرة مستفهما على سبيل التبكيت والإسكات مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وموجدهما ومظهرهما من كتم العدم ومربيهما بأنواع التربية والكرم قُلْ أنت ايضا في جواب سؤالك إذ هم معزولون عن التنطق بكلمة الحق وكيف لا وقد ختم الله على قلوبهم وأفواههم اللَّهُ اى الموجد المربى هو الله المستقل بالالوهية والربوبية لا اله سواه ولأمر بي الا هو. ثم بعد ما ظهر الحق قُلْ لهم يا أكمل الرسل على سبيل التوبيخ والتقريع أَفَاتَّخَذْتُمْ وأخذتم ايها الجاهلون بحق الله وحق قدره مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ معبودات من جنس مصنوعاته سيما من أدونها وهي الجمادات التي لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ لا نَفْعاً وَلا ضَرًّا فضلا لغيرهم قُلْ لهم يا أكمل الرسل توبيخا وتقريعا ايها الجاهلون المعزولون عن مقتضى العقل الفطري هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى الفاقد البصر وَالْبَصِيرُ الواجد لها أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ اى الاعدام الهالكة في أنفسها وَالنُّورُ «٤» اى الوجود المتشعشع اللامع في ذاته ازلا وابدا أَمْ جَعَلُوا أولئك الحمقى العمى الهلكى في تيه الغفلة والضلال لِلَّهِ المنزه عن مطلق المثل والمثال شُرَكاءَ مثله وهم ايضا قد خَلَقُوا واوجدوا كَخَلْقِهِ وإيجاده فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ يعنى بحيث قد اشتبه عليهم وتشابه عندهم خلق شركائهم بخلقه سبحانه تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا قُلْ يا أكمل الرسل إرشادا وتكميلا اللَّهُ المستجمع لصفات الكمال بأسرها والمربى لعموم الكائنات برمتها خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ومظهرها وموجدها بالاستقلال والانفراد بلا مظاهرة ولا مشاركة أصلا وَهُوَ بذاته الْواحِدُ الأحد المستقل في الوجود الْقَهَّارُ لعموم الأغيار الهالكة في أنفسها المنعكسة من اظلال أسمائه الحسنى وأوصافه العليا الباقية في صرافة عدميتها الاصلية ومن كمال اشفاقه سبحانه وشمول مرحمته على عباده

قد أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ اى من فضاء عالم اللاهوت


(٤) جمع الظلمات وافراد النور باعتبار تعددات التعينات العدمية ووحدة شمس الذات [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>