للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قسوتهم ثم قال سبحانه أَفَلَمْ يَيْأَسِ ولم يقنط الَّذِينَ آمَنُوا عن ايمان أولئك المدبرين المعاندين مع ظهور امارات الكفر عليهم وعلامات الإنكار عنهم سيما بعد ما سمعوا في حقهم من الله ما سمعوا ولم يعلم هؤلاء المؤمنون أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ وتعلق ارادته بهداية الكل لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً فلم يهدهم لعدم تعلق ارادته بهداية البعض وَبالجملة لا تقنطوا ايها المؤمنون عن نصر الله إياكم على أعدائكم ولا تيأسوا عن روحه إذ لا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا وأصروا على الكفر عنادا واستكبارا تُصِيبُهُمْ وتدور عليهم بِما صَنَعُوا اى بقبح صنيعهم وإصرارهم عليه قارِعَةٌ داهية هائلة تقرع اسماعهم ويضطربون بها اضطرابا شديدا أَوْ تَحُلُّ وتنزل الداهية العظيمة في حواليهم قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ ومساكنهم لتدور عليهم حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ الذي قد وعده لنبيه بان ينتقم عنهم ويعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة في الدنيا بالفتح والظفر عليهم وفي الآخرة بأنواع العقاب والعذاب إِنَّ اللَّهَ المؤيد لأنبيائه المنجز لما وعدهم من إهلاك أعدائهم لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ ثم لا تحزن أنت يا أكمل الرسل من استهزائهم وسخريتهم بك ولا تبال بعمههم وسكرتهم وبطرهم وثروتهم واشتهارهم بمالهم وجاههم

وَالله لَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ أشد من استهزاء هؤلاء بك فَأَمْلَيْتُ وأمهلت لِلَّذِينَ كَفَرُوا اى للمستهزئين الذين كفروا حتى انهمكوا في الغفلة وتوغلوا فيها بطرين فرحين ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فجاءة واستأصلتهم بغتة فَكَيْفَ كانَ عِقابِ مع أولئك ومع هؤلاء أشد من ذلك.

ثم قال سبحانه أَينسى الحساب ويترك العقاب فَمَنْ هُوَ قائِمٌ مطلع محاسب ومراقب محافظ عَلى كُلِّ نَفْسٍ من النفوس الخيرة والشريرة ليحيط بِما كَسَبَتْ فيجازيها ان خيرا فخير وان شرا فشر وَلا سيما مراقبة اهل الشرك الذين قد جَعَلُوا لِلَّهِ الواحد الأحد المنزه عن الشريك والولد شُرَكاءَ فوق واحدة من اظلاله ومصنوعاته مع انه سبحانه قد تنزه وتعالى عن مطلق التعدد علوا كبيرا قُلْ لهم يا أكمل الرسل تبكيتا عليهم وإلزاما سَمُّوهُمْ اى أولئك الشركاء بأسماء وصفوهم بصفات يستحقون بها الألوهية والربوبية أَمْ تُنَبِّئُونَهُ وتخبرونه بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ ٤ اى بأسماء وصفات لا يعلمها من في الأرض بل انما يعلمها من في السماء أَمْ سموهم بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ مجازا بلا اعتبار المعنى الحقيقي فيهم وبالجملة هم عاجزون عن الكل ساكتون عنه بَلْ انما زُيِّنَ وحسن لِلَّذِينَ كَفَرُوا وأشركوا مَكْرُهُمْ اى تمويههم وتلبيسهم الصادر من تلقاء أنفسهم بلا مستند عقلي او نقلي بل مع علمهم ببطلانها ايضا وَمع ذلك قد صُدُّوا واعرضوا بواسطة هؤلاء الأسامي المجردة الباطلة عَنِ سواء السَّبِيلِ وقصدوا ايضا أعراض ضعفاء المؤمنين عن طريق الحق وما هو الا من غيهم وضلالهم في اصل فطرتهم وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ وأراد ضلاله فَما لَهُ مِنْ هادٍ يهديهم ويوفقهم الى سبيل الرشد

بل لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا

بغفلتهم عن معرفة الله وعن اللذات الروحانية مطلقا مع عدم شعورهم بها قطعا

وَالله لَعَذابُ الْآخِرَةِ

حين انكشف الحال وارتفع الحجب أَشَقُ

وأصعب

وَكيف لا يكون عذاب الآخرة أشق إذ ما لَهُمْ

فيها مِنَ اللَّهِ

من عذابه وانتقامه مِنْ واقٍ

حافظ شفيع يشفعهم ليخفف عنهم او يحفظهم من عذابه.

ثم قال سبحانه على مقتضى سنته من تعقيب الوعيد بالوعد مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ المتحفظون نفوسهم عن ارتكاب المعاصي والآثام مطلقا الممتثلون بعموم ما أمروا ونهوا من العقائد والاحكام تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>