للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَجَزِعْنا عن شدة العذاب والنكال أَمْ صَبَرْنا على مقاساة الأحزان ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ مخلص ومناص

وَقالَ الشَّيْطانُ اى الاهوية الفاسدة المفسدة لهم في نشأتهم الاولى مصورة على صورة الشيطان المضل المغوى لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ اى بعد استقرار اهل الجنة في الجنة واهل النار في النار إِنَّ اللَّهَ المصلح المدبر لأحوال عباده قد وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ بهذا اليوم الذي أنتم تؤاخذون فيه وَوَعَدْتُكُمْ انا اضلالا وإغواء لكم بخلافه وبالجملة فَأَخْلَفْتُكُمْ انا عموم ما وعدتكم به بخلاف ما وعد به ربكم فان إنجازه مقطوع به بلا شك فيه أصلا واتبعتم أنتم بمقتضى طباعكم قولي مع انه ما هو الا غرور وإضلال لا يرجى إنجازه منى وَالحال انه ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ حجة مرجحة وادلة ملجئة إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ وسوى ان اغريتكم بمقتضى اهويتكم وامنيتكم التي تقتضيها هويتكم وماهيتكم ومع ذلك فَاسْتَجَبْتُمْ لِي وصدقتم قولي وقبلتم تغريري بلا تردد ومماطلة طوعا ورغبة فَلا تَلُومُونِي اليوم بل وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ الباعثة الداعية على متابعتي مع جزمكم بمكرى وعداوتي وبالجملة ما أَنَا اليوم بِمُصْرِخِكُمْ مغيثكم ومعينكم وان ادعيت فيما مضى ذلك تغريرا وتلبيسا وَما أَنْتُمْ ايضا بِمُصْرِخِيَّ إذ قد انكشفت الحال وانقطعت علقة المحبة ورابطة المودة بيننا وصارت كل نفس رهينة بما كسبت إِنِّي اليوم بعد انكشاف السرائر والضمائر قد كَفَرْتُ أنكرت وتبرأت بِما أَشْرَكْتُمُونِ اى باشتراككم معى في الشرك بالله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لا شريك له أصلا مِنْ قَبْلُ في دار التلبيس والتزوير والإغواء والتغرير وبالجملة إِنَّ الظَّالِمِينَ الخارجين عن مقتضيات أوامر الله ونواهيه عدوانا وظلما في ما مضى لَهُمْ اليوم عَذابٌ أَلِيمٌ مؤلم أشد إيلام. ثم بين سبحانه على مقتضى سننه المستمرة بعد ما بين وخامة احوال الهالكين المنهمكين في تيه العتو والعناد وفظاعة أمرهم في يوم الجزاء حال المؤمنين عن تغريرات الدنيا الدنية وتسويلات الشياطين الغوية فيها

فقال وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا بتوحيد الله وصدقوا كتبه ورسله وَمع ذلك قد عَمِلُوا الصَّالِحاتِ التي هي نتائج الايمان وثمرات اليقين والعرفان جَنَّاتٍ متنزهات من العلم والعين والحق تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ المملوة بمياه العلوم اللدنية لتنبت في أراضي استعداداتهم ومزارع قابلياتهم مالا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر من المكاشفات والمشاهدات الخارجة عن طوق البشر وطور العقل ومع ذلك صاروا خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ اى برضاه وتوفيقه وتيسيره تَحِيَّتُهُمْ من قبل الحق بالسنة الملائكة حين وصولهم ونزولهم فِيها سَلامٌ لأنهم مسلمون منقادون مسلمون أمورهم كلها الى الله في النشأة الاولى

أَلَمْ تَرَ ايها المعتبر المنصف الخبير البصير كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ الهادي لعباده الى توحيده مَثَلًا ليتنبهوا منه حيث شبه كَلِمَةً طَيِّبَةً هي كلمة التوحيد القائلة المفصحة المعربة بان لا وجود لسوى الحق كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ هي النخلة التي أَصْلُها وعروقها ثابِتٌ في الأرض بحيث لا يقلعها ولا يشوشها الرياح أصلا وَفَرْعُها اى أفنانها وأغصانها مرتفعة فِي السَّماءِ وجانبها

تُؤْتِي أُكُلَها وثمارها كُلَّ حِينٍ من الأحيان المعينة للاثمار بِإِذْنِ رَبِّها وبمقتضى ارادته ومشيته يعنى كما ان النخلة تنمو وتثمر بسبب أصلها الثابت في الأرض وفرعها المرتفع نحو السماء ويحصل منها الثمر وقت حصولها كذلك شجرة الكلمة الطيبة التوحيدية المستقر أصلها في أراضي الاستعدادات الفطرية المرتفعة أغصانها وأفنانها نحو سماء العالم الروحاني المثمرة لثمرات المكاشفات والمشاهدات القالعة لعرق مطلق التقليدات

<<  <  ج: ص:  >  >>