للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صافيات عن كدر الرياء ودرن التقليدات وشين السمعة وشوب التخمينات ويقول لهم الملائكة حين وجدوهم متصفين بحلية التقوى

ادْخُلُوها بِسَلامٍ سالمين عن شدائد الحساب آمِنِينَ عن شوائب العذاب والعقاب

وَكيف لا يكونون سالمين آمنين إذ قد نَزَعْنا وأخرجنا بنور الايمان والتوحيد عموم ما فِي صُدُورِهِمْ وضمائرهم مِنْ غِلٍّ حقد وحسد متمكن في نفوسهم متعلق ببني نوعهم حتى صاروا جميعا إِخْواناً أصدقاء أخلاء متكئين عَلى سُرُرٍ متساوية من الصداقة مُتَقابِلِينَ متناظرين مطالعين كل منهم محامد أخلاقه ومحاسن شيمه وأطواره في مرآة أخيه وصديقه وكلهم فيها أصحاء سالمون معتدلون

بحيث لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ محنة وعناء حتى يشوشوا بها وَبالجملة ما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ أصلا حتى يخافوا من ان يعودوا بل هم فيها خالدون مخلدون دائمون مستمرون ما شاء الله

ثم قال سبحانه تسلية لعموم عباده وتبشيرا لهم بسعة فضله ورحمته نَبِّئْ اخبر وأعلم يا أكمل الرسل المبعوث على كافة الأمم عموم عِبادِي مؤمنهم وكافرهم مطيعهم وعاصيهم أَنِّي من كمال اشفاقى ومن رحمتي إياهم أَنَا الْغَفُورُ المبالغ في الستر والعفو لكل من استرجع الى واستغفر منى واستعفى عن ظهر القلب وأناب عن محض الندم والإخلاص الرَّحِيمُ لهم ارحمهم واقبل منهم توبتهم وأعفو عنهم زلتهم

وَايضا نبئهم أَنَّ عَذابِي وبطشى وانتقامي على من أصر على عناده واستمر على ترك طاعتي وانقيادي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ المؤلم المستمر المقصور عليه الذي لا نجاة لاحد منه

وَان أنكروا على انعامى وانتقامي نَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ تبيينا وتوضيحا لهم

واذكرهم وقت إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ وهم جرد مرد صباح ملاح فَقالُوا ترحيبا له وتكريما سَلاماً اى نسلم عليك سلاما ثم لما تفرس ابراهيم عليه السّلام منهم بنور النبوة انهم ملائكة قد جاءوا بأمر خطير قالَ على سبيل الرعب والمخافة إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ خائفون إذ هم قد جاءوا بغتة ودخلوا عليه هفوة بلا اذن واستيذان على عادة المسافرين ومع ذلك لا يظهر عليهم اثر السفر أصلا

قالُوا تأمينا له وتسكينا لخوفه واضطرابه لا تَوْجَلْ منا ولا تخف إِنَّا نُبَشِّرُكَ من عند ربك بِغُلامٍ عَلِيمٍ قابل للنبوة والرسالة والحكمة الكاملة

قالَ ابراهيم عليه السّلام بعد ما سمع منهم ما سمع متأوها آيسا مستفهما على سبيل الاستبعاد أَبَشَّرْتُمُونِي بالولد ايها المبشرون في زمان قد انقطع الرجاء فيه عادة بناء عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ المانع من الإيلاد والأمناء العادي إذ هو في سن قد انقطعت الشهوة عنه وعن زوجته ايضا إذ كلاهما في سن الهرم والكهولة وبعد ما كان حالي وحال زوجتي هكذا

فَبِمَ تُبَشِّرُونَ قالُوا قد بَشَّرْناكَ ملتبسا بِالْحَقِّ المطابق للواقع باذن الحق وبمقتضى قدرته الكاملة بإيجاد شيء وابداعه بلا سبق سبب عادى له وبالجملة فَلا تَكُنْ أنت ايها النبي المتمكن في مقام الخلافة والخلة مع الله المستمسك بحبل الرضا والتسليم المسند المفوض عموم الحوادث الكائنة في عالم الكون والفساد الى الفاعل المختار بلا اعتبار الوسائل والأسباب العادية مِنَ الْقانِطِينَ الجازمين بفقدان الشيء عند فقدان أسبابه العادية مع ان القنوط لا يليق برتبتك

قالَ الخليل الجليل بعد ما سمع منهم ما سمع مستبعدا مستوحشا مستنزها نفسه عن أمثاله وَمَنْ يَقْنَطُ وييأس مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ التي قد وسعت كل شيء بمقتضى جوده تفضلا وإحسانا بلا سبق استحقاق واعداد اسباب إِلَّا القوم الضَّالُّونَ المقيدون بسلاسل الأسباب الطبيعية وأغلال الوسائل الهيولانية ونحن معاشر الأنبياء لا نقول بأمثال هذه الأباطيل الزائغة

ثم لما جرى بينهم ما جرى

<<  <  ج: ص:  >  >>