للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ازلا وابدا وبامتداد اظلال أوصافه وأسمائه عليهما ورش رشحات نور وجوده إياهما مع انه سبحانه باق على صرافة وحدته الذاتية وهما على عدميتهما الاصلية تَعالى وتقدس عَمَّا يُشْرِكُونَ له شيأ لا وجود له ولا تحقق سوى الظلية والعكسية

وكيف يشركون ويثبتون أولئك الحمقى الضالون الجاهلون شريكا للقادر الحكيم العليم الذي قد خَلَقَ وقدر الْإِنْسانَ خاصة وأوجده على احسن صورة واعدل تقويم مِنْ نُطْفَةٍ دنية مهينة لا تمييز لها أصلا ولا شعور ورباها الى ان صار ذا رشد تام وتمييز كامل وكمال ادراك ودراية وبعد ما تم تسويته وتعديله فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مجادل مبالغ في تمييز الحق من الباطل والهداية من الضلال مُبِينٌ ظاهر البيان بإقامة الدلائل والبراهين القاطعة وما هي الا من تربية مبدعه وخالقه القادر المقتدر بالإرادة والاختيار

وَالْأَنْعامَ ايضا قد خَلَقَها وأوجدها طفيلا لَكُمْ ايها المجبولون على الكرامة الفطرية فِيها اى في الانعام دِفْءٌ لكم تستدفئون به من الألبسة والاكسية والاغطية المتخذة من أصوافها واشعارها واوبارها لدفع الحر والبرد وَمَنافِعُ غير ذلك من الخباء والعباء والكساء وغيرها وَايضا مِنْها تَأْكُلُونَ لتقويم امزجتكم وتعديلها من لحومها وشحومها وألبانها

وَايضا قد يسر لَكُمْ فِيها جَمالٌ جلال وعظمة وجاه وزينة بين أظهركم وذلك حِينَ تُرِيحُونَ وتجمعونها في المراح من المرعى وقت الرواح مملوة الضروع والبطون وَحِينَ تَسْرَحُونَ وترسلونها نحو المرعى وقت الصباح

وَمن معظم فوائدها انها تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ واحمالكم التي أنتم تستثقلونها إِلى بَلَدٍ بعيد لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ ولم يحصل بلوغكم اليه وابلاغكم إياها لولاها إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ اى بالمشقة التامة والعسر المفرط فخلقها سبحانه تيسيرا لكم وتسهيلا لشأنكم تتميما لتربيتكم وتكرمتكم وبالجملة إِنَّ رَبَّكُمْ الذي رباكم بأنواع اللطف والكرم لَرَؤُفٌ عطوف مشفق لكم يسهل عليكم كل عسير رَحِيمٌ لكم يوفقكم ويهيئ أسبابكم لتواظبوا على أداء ما افترض عليكم من الطاعات والعبادات وتلازموا على تحصيل ما قدر لكم من اقتراف المعارف والحقائق الرافعة لكم الى ارفع المنازل وأعلى المراتب.

ثم أشار سبحانه ايضا الى ما يعزكم ويدفع اذاكم ويرفع جاهكم ومكانتكم تتميما لتعظيمكم وتربيتكم فقال وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ انما خلقها وأظهرها سبحانه لِتَرْكَبُوها وَتجعلوها زِينَةً وحلية لأنفسكم بين بنى نوعكم وَبالجملة يَخْلُقُ لكم ربكم بمقتضى علمه بحوائجكم ومزيناتكم ما لا تَعْلَمُونَ ولا تأملون أنتم لأنفسكم مما يعنيكم ويعينكم في النشأة الاولى والاخرى

وَكما يدبر سبحانه امور معاش عباده على الوجه الأحسن الأليق بحالهم كذلك له سبحانه ان يدبر لهم امور معادهم بل هي اولى بالتدبير لذلك عَلَى اللَّهِ المصلح لأحوال عباده قَصْدُ السَّبِيلِ اى إرشادهم وهدايتهم الى طريق مستقيم موصل الى توحيده ليصلوا اليه ويفوزوا بما وعدوا من عنده وَكيف لا يرشدهم سبحانه الى سواء السبيل إذ مِنْها اى بعض من السبيل جائِرٌ مائل منصرف منحرف عن طريق الحق وسبيل توحيده بمقتضى غلبة أوصافه الجلالية المذلة المضلة تتميما للقدرة الكاملة الغالبة والسلطنة العامة الشاملة لكلا طرفي اللطف والقهر والجمال والجلال وَلَوْ شاءَ وأراد سبحانه هدايتكم جميعا لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ على مقتضى تجليات الأوصاف اللطفية الجمالية المثمرة للذة الدائمة والسرور المستمر الغير المنقطع لكن قد اقتضى حكمته المتقنة البالغة ان يكون جنابه رفيعا

<<  <  ج: ص:  >  >>