للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبابه منيعا متعاليا عن ان يطلع عليه واحد بعد واحد ويرد حول حمى قدسه وارد غب وارد لذلك قد تجلى على بعض المظاهر حسب الأوصاف القهرية الجلالية المورثة للحزن الدائم والألم المخلد وكيف لا يدبر سبحانه امور عباده

مع انه هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ وأفاض مِنَ السَّماءِ ماءً محييا موات الأرض مثل احياء الروح وراضى الأجساد ليحصل لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ تشربون منه او تعصرون من القصب والفواكه الحاصلة به أنواعا من الأشربة وَايضا يحصل مِنْهُ شَجَرٌ وانواع النباتات الخارجة من الأرض لرعى مواشيكم إذ فِيهِ تُسِيمُونَ وتسرحون دوابكم للرعي الى ان يسمن فيؤكل وايضا

يُنْبِتُ لَكُمْ لتقويتكم وتقويم امزجتكم وتقويتها بِهِ الزَّرْعَ بأنواعه واصنافه لتتخذوا منه اخبازا واقراصا وَالزَّيْتُونَ للادام وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ للتفكه والتقوت ايضا وَبالجملة يخرج لكم به مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ تتميما لأمور معاشكم وتقويما لأمزجتكم كل ذلك لتتفكروا في آلائه ونعمائه وتتذكروا ذاته كي تفوزوا بمعرفته وتوحيده إِنَّ فِي ذلِكَ المذكور من انعام هذه النعم العظام لَآيَةً عظيمة وبينة واضحة موضحة لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ويستعملون عقولهم في تفكر آلاء الله ونعمائه ليواظبوا على أداء شكرها

وَمن جملة آياته سبحانه المتعلقة لتدبير أحوالكم انه قد سَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ لتسكنوا فيه وتستريحوا وَالنَّهارَ لتعيشوا فيه وتكسبوا وَايضا قد سخر لكم الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لإنضاج ما تتقوتون وإصلاح ما تتفكهون وَقد سخر لكم النُّجُومُ ايضا لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر حال كون كل منها مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ تابعات لحكمه وتقديره على تقدير قراءة النصب او مع ان الكل مسخرات في قبضة قضائه يصرفها حسب ارادته ومشيته على تقدير الرفع إِنَّ فِي ذلِكَ التسخير والتسهيل المذكور لَآياتٍ اى في كل منها دليل واضح وبرهان لائح قاطع لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ويستدلون من الآثار الى المؤثر ومن المصنوعات الى الصانع القديم الفرد

وَايضا قد سخر لكم ما ذَرَأَ وبرأ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ واشكاله وطبعه وذوقه بمقتضى اهويتكم وامزجتكم من الحوائج المتعلقة لحظوظكم وترفهكم إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ يتعظون ويتفطنون منها الى كرامة الإنسان من بين سائر الأكوان والى خلافته ونيابته عن الله

وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ لكم الْبَحْرَ من كمال لطفه وتكريمه إياكم لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وهو السمك وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً وزينة من الجواهر النفيسة تَلْبَسُونَها وتتزينون بها ترفها وتنعما وَتَرَى ايها الرائي الْفُلْكَ السفن مَواخِرَ فِيهِ جواري في خلاله مشققات للبحر مسيرات لمن فيها على الماء وَما كل ذلك الا لِتَبْتَغُوا وتطلبوا مِنْ فَضْلِهِ وجوده ما يعنيكم ويليق بكم من الحوائج والأرباح وغيرها وَانما سخر لكم سبحانه ما سخر لكم من البر والبحر لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ رجاء ان تواظبوا وتداوموا على شكر نعمه وتصرفوها الى ما خلق لأجله طلبا لمرضاته

وَمن كمال لطفه ورحمته ايضا انه قد أَلْقى فِي الْأَرْضِ التي هي مستقركم ومنشأكم رَواسِيَ شامخات مخافة أَنْ تَمِيدَ وتتحرك بِكُمْ ولا يمكن استقراركم عليها لاضطرابها وتزلزلها إذ هي في طبعها كرة حقيقية ملقاة على الماء محفوفة به مغمورة فيه وانما القى سبحانه عناية منه رواسى ثقالا عليها حتى صارت متفاوتة الأطراف في الثقل فاستقرت حينئذ وثبتت وَايضا قد اجرى لكم سبحانه عليها أَنْهاراً ليمكنكم الاستقاء منها لدى الحاجة وَكذا قد عين وسهل لكم بين الجبال سُبُلًا نافذات

<<  <  ج: ص:  >  >>