للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المثبتة في الأعيان الثابتة والمسطورة المرقومة في لوح قضائنا وحضرة علمنا اى شيء كان عظيما او حقيرا إِذا أَرَدْناهُ ان يوجد ويتحقق في عالم الشهادة أَنْ نَقُولَ لَهُ بمقتضى صفتنا القديمة التي هي الكلام الحامل لحكمنا المؤدى النافذ لأمرنا فارضين مقدرين وجوده وتحققه إذ هو عدم صرف في نفسه ولا شيء محض في حد ذاته كُنْ كالمكونات الاخر فَيَكُونُ بلا تراخ ومهلة وبلا امتداد ساعة ولحظة وآن وطرفة بل التلفظ بحرف التعقيب بين الأمر الوجوبي الإلهي وحصول المأمور المراد له سبحانه انما هو من ضيق العطن وضرورة التعبير والا فلا ترتب بينهما الا وهما إذا الترتب انما يحصل من توهم الزمان والآن وعنده سبحانه لا زمان ولا آن ولا شأن لا يسع في زمان ومكان.

ثم أشار سبحانه الى علو درجات المؤمنين وارتفاع شأنهم ورفعة قدرهم ومكانهم فقال وَالَّذِينَ هاجَرُوا عن بقعة الإمكان حال كونهم سائرين فِي اللَّهِ بعد ما حصل لهم مرتبة التمكن والاطمئنان سيما مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا بتسلط الامارة عليهم زمانا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ ولنمكننهم فِي الدُّنْيا اى في نشأتهم الاولى حَسَنَةً اى حصة كاملة وحظا وافرا من المعارف والحقائق بحيث انخلعوا عن لوازم البشرية بالمرة وماتوا عن الأوصاف البهيمية مطلقا ارادة واختيارا وَمع ذلك لَأَجْرُ الْآخِرَةِ المعدة لرفع الحجب وكشف الغطاء والسدل أَكْبَرُ قدرا وأعظم شأنا وأتم لذة لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ويفهمون ويذوقون لذته بالذوق والوجدان لمالوا اليه البتة زيادة ميل واجتهدوا نحوه زيادة اجتهاد رزقنا الله الوصول اليه والحصول دونه واذاقنا حلاوة لذته

وبالجملة هم الَّذِينَ صَبَرُوا على ما اصبهم من المصيبات والبليات راجعين مسترجعين الى الله في جميع الحالات وَعَلى رَبِّهِمْ لا على غيره من الوسائل والأسباب العادية يَتَوَكَّلُونَ في عموم شئونهم وتطوراتهم

وَكيف يستبعدون رسالتك يا أكمل الرسل أولئك المشركون المعاندون إذ ما أَرْسَلْنا للرسالة العامة رسلا مِنْ قَبْلِكَ مبشرين ومنذرين إِلَّا رِجالًا امثالك نُوحِي إِلَيْهِمْ شعائر الدين والايمان وننزل عليهم الكتب المبينة لأحكامها فان لم يقبلوا منك هذا ولم يعتقدوا صدقك فيه فقل لهم فَسْئَلُوا ايها المكابرون المعاندون الجاهلون بحال من مضى من الأنبياء أَهْلَ الذِّكْرِ والعلم منكم وهم الأحبار والقسيسون إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ صدقه ومطابقته للواقع وكما أيدنا الرسل والأنبياء الماضين

بِالْبَيِّناتِ الواضحة وَالزُّبُرِ اللائحة ترويجا لما جاءوا به وأرسلوا معه ليبينوا ويوضحوا بها احكام اديانهم وَمثل ذلك ايضا قد أَنْزَلْنا إِلَيْكَ يا أكمل الرسل الذِّكْرَ اى الكتاب المعجز المشتمل على شعائر الإسلام وأحكامه لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ المتوغلين في الغفلة والنسيان عموم ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ من عند ربهم على مقتضى أزمانهم وأطوارهم من الأوامر والنواهي والآداب والأخلاق وَلَعَلَّهُمْ بعد تبليغك إياهم وتبيينك لهم يَتَفَكَّرُونَ في آياته وأحكامه ويتأملون في حكمه ومرموزاته كي يتفطنوا الى معارفه وحقائقه وكشوفاته وشهوداته المودعة فيه

ثم قال سبحانه تهديدا على اهل الزيغ والضلال المنحرفين عن طريق الحق عتوا وعنادا أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ واحتالوا لإهلاك الأنبياء سيما معك يا أكمل الرسل ولم يخافوا أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ القادر الغالب على وجوه الانتقام بِهِمُ الْأَرْضَ كما خسفها على قارون أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ بغتة حال كونهم بائتين في مراقدهم مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ اماراته ومقدماته أصلا

أَوْ يَأْخُذَهُمْ العذاب وهم فِي تَقَلُّبِهِمْ وتحركهم جائلين دائرين مترددين

<<  <  ج: ص:  >  >>