للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عدله وانتقامه بِظُلْمِهِمْ ومعاصيهم الصادرة عنهم دائما ما تَرَكَ عَلَيْها اى على وجه الأرض مِنْ دَابَّةٍ ذي حركة تتحرك عليها إذ ما من متحرك الا وينحرف عن جادة العدالة كثيرا وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ ويمهلهم على مقتضى فضله ولطفه إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قد سماه الله اى قدره وعينه في حضرة علمه لموتهم فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ المسمى المبرم المقضى به لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ اى لا يسع لهم الاستقدام والاستئخار بل لا بدّ وان يموتوا فيه حتما مقضيا

وَايضا من خبث بواطنهم وقسوة قلوبهم يَجْعَلُونَ وينسبون لِلَّهِ المنزه عن الأنداد والأولاد ما يَكْرَهُونَ ويستقبحون لنفوسهم وهو اثبات البنات له سبحانه وَمع ذلك تَصِفُ وتقول أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ تصريحا وتنصيصا أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى اى بان لهم المثوبة العظمى والدرجة العليا عند الله بل لا جَرَمَ اى حقا عليهم جزما حتما من أَنَّ لَهُمُ النَّارَ اى جزاءهم مقصور على النار وهم مخلدون فيها ابدا وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ في العذاب مقدمون على عموم العصاة الطغاة الداخلين في النار المجزيين بها لاستكبارهم على الله ورسله

تَاللَّهِ يا أكمل الرسل لَقَدْ أَرْسَلْنا رسلا إِلى أُمَمٍ قد مضوا مِنْ قَبْلِكَ حين نشأ الجدال والمراء بينهم فانحرفوا عن جادة الاعتدال وقد أيدنا الرسل بالكتب المبينة لطريق العدالة والاستقامة فبينوا لهم على ابلغ وجه فَزَيَّنَ وحسن لَهُمُ الشَّيْطانُ المضل المغوى أَعْمالَهُمْ التي قد كانوا عليها فاصروا على أعمالهم فلم يقبلوا قول الأنبياء فكذبوهم وأنكروا عليهم لذلك نزل عليهم من العذاب ما نزل في الدنيا وسينزل في الآخرة بأضعافه وآلافه فَهُوَ اى الشيطان وَلِيُّهُمُ ومتولى أمورهم اى لهؤلاء المستخلفين عنه الْيَوْمَ لذلك لم يقبلوا قولك ولم يسمعوا بيانك بل قد أصروا واستمروا على ما عليه أسلافهم من الغواية والضلال وَلَهُمْ ايضا مثل أسلافهم بل أشد منهم عَذابٌ في النشأة الاولى والاخرى أَلِيمٌ مؤلم أشد إيلام إذ أنت أفضل من الأنبياء الماضين وبيانك وتبليغك أكمل من بيان سائر الأنبياء وتبليغهم

وَما أَنْزَلْنا من مقام فضلنا وجودنا عَلَيْكَ يا أكمل الرسل الْكِتابَ الجامع لما في الكتب السالفة مع زيادات قد خلت عنها تلك الكتب إِلَّا لِتُبَيِّنَ وتوضح لَهُمُ اى للناس الأمر الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ ألا وهو التوحيد الذاتي واحوال النشأة الاخرى والمكاشفات والمشاهدات الواقعة فيها وَقد أنزلناه ايضا هُدىً هاديا يهديهم الى التوحيد ببيان براهينه وحججه الموصلة اليه بالنسبة الى ارباب المعاملات والمجاهدات من الأبرار السائرين الى الله بارتكاب الرياضات القالعة لدرك الإمكان ورين التعلقات وَرَحْمَةً اى كشفا وشهودا بالنسبة الى المجذوبين المنجذبين نحو الحق المنخلعين عن جلباب ناسوتهم بغتة بلا صنع صدر عنهم وامر ظهر منهم بل قد جذبهم الحق عن بشريتهم وبدلهم تبديلا كل ذلك لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ويوقنون بتوحيد الله وبصفاته الذاتية ويتأملون في آثاره ومصنوعاته تأملا صادقا ويعتبرون منها اعتبارا حقا الى ان ينكشفوا ويفوزوا بما يفوزوا وينالوا بما ينالوا وليس وراء الله مرمى ومنتهى

وَاللَّهُ الهادي لعباده الى زلال وحدته قد أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ اى من عالم الأوصاف والأسماء ماءً اى معارف وحقائق وعلوما لدنية فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ اى الطبيعة الهيولانية بَعْدَ مَوْتِها اى بعد كونها عدما صرفا ولا شيأ محضا فاتصفت هي أولا بالعلوم والإدراكات الجزئية وترقت منها متدرجة الى ان وصلت الى مرتبة التوحيد المسقط للاضافات مطلقا إِنَّ فِي ذلِكَ التبيين والتذكير لَآيَةً دلائل وشواهد

<<  <  ج: ص:  >  >>