للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انقضاء المدة المقدرة يَتَوَفَّاكُمْ يميتكم ويفنيكم حسب قهره وجلاله وَمِنْكُمْ مَنْ يقدر لبقائه في هذه النشأة مدة متطاولة بحيث يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ وأسوئه واخسه ويصل الى مرتبة الخرف لِكَيْ لا يَعْلَمَ ويفهم سيما بَعْدَ تعلق عِلْمٍ منه بمعلوم مخصوص معين شَيْئاً من احوال ذلك المعلوم المعين يعنى يرجع الى رتبة الطفولية بعد كمال العقل وانما رده سبحانه الى تلك الحالة إظهارا للقدرة الكاملة وتذكيرا وعظة وعبرة للناس وتخويفا لهم لئلا يطلبوا من الله طول الاعمار وبعد الآجال ومع ذلك يطلبون ويقترحون وبالجملة إِنَّ اللَّهَ المدبر لأمور عباده عَلِيمٌ بمصالحهم ومفاسدهم قَدِيرٌ مقتدر مقدر للاصلح لهم تفضلا عليهم وامتنانا

وَاللَّهُ المقدر لمصالحكم ايها المكلفون قد فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ بان قدر للبعض غنى وللبعض فقرا وللبعض كفاية حسب تفاوت مراتبهم واستعداداتهم في علم الله ولوح قضائه ومن موائد كرمه ايضا قدر البعض مالكا للبعض والبعض مملوكا له فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بسعة الرزق والبسطة من الموالي والملاك بِرَادِّي رِزْقِهِمْ اى بعض ما رزقهم الله عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ من المماليك بحيث لا يقدر للمماليك في قسمة الله رزقهم بل فَهُمْ اى المماليك والموالي فِيهِ اى في تقدير الرزق وقسمته سَواءٌ اى كما قدر سبحانه للملاك قدر للمماليك ايضا غاية ما في الباب ان الرزق المقدر للمماليك انما يصل إليهم من يد الموالي والملاك وبإقامتهم واخلافهم أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ينكرون ويكفرون باسناد أرزاق المماليك الى الموالي لا الى الله الرازق لجميع العباد

وَاللَّهُ المدبر المصلح لأحوال عباده قد جَعَلَ لَكُمْ تفضلا عليكم مِنْ أَنْفُسِكُمْ اى من جنسكم وبنى نوعكم أَزْواجاً نساء تستأنسون بهن وتستنسلون منهن وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ ليخلفوا منكم ويحيوا اساميكم وَايضا جعل لكم من أبناءكم وبناتكم حَفَدَةً يسرعون الى خدمتكم وطاعتكم وَبالجملة قد رَزَقَكُمْ الله تفضلا عليكم وامتنانا مِنَ الطَّيِّباتِ المقوية المقومة لأمزجتكم وأبنيتكم لتواظبوا على طاعة الله وتداوموا الميل الى جنابه وتلازموا حول بابه شاكرين على نعمه أَتتركون متابعة الحق الحقيق بالتبعية الا وهو القرآن المعجز والرسول المبين له فَبِالْباطِلِ الذي هو الأصنام والأوثان يُؤْمِنُونَ يصدقون ويعبدون وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ المنعم المكرم بأنواع النعم والكرم هُمْ يَكْفُرُونَ حيث صرفوها الى خلاف ما أمروا بصرفها إذ إعطاء النعم إياهم انما هو لتقوية طاعة الله وكسب معارفه وحقائقه لا لعبادة الأصنام والأوثان الباطلة

وَهم من خباثة بواطنهم وكفرانهم نعم الله يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ المالك لازمة الأمور الجارية في خلال الأزمان والدهور ما اى أصناما وأوثانا لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً لا معنويا روحانيا فائضا مِنَ السَّماواتِ اى عالم الأسماء والصفات بمقتضى الجود الإلهي وَلا رزقا صوريا جسمانيا مقويا مقوما لاكتساب المعارف الروحانية مستخرجا من الْأَرْضِ اى عالم الهيولى والطبيعة شَيْئاً وَكيف هم لا يَسْتَطِيعُونَ ولا يملكون لأنفسهم شيئا فكيف لغيرهم

فَلا تَضْرِبُوا ايها الجاهلون بقدر الله وعلو شأنه لِلَّهِ المنزه عن الأنداد والأشباه مطلقا الْأَمْثالَ إذ لا مثل له يماثله ولا شبه له يشابهه ولا كفو له يكافي معه فكيف يشاركون له دونه إِنَّ اللَّهَ المطلع لعموم الكوائن والفواسد يَعْلَمُ بعلمه الحضوري جميع أحوالكم واحوال معبوداتكم وعموم ما جرى عليكم وعليهم وَأَنْتُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>