للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لإدراك المسموعات الجزئية وَالْأَبْصارَ لإدراك المبصرات الجزئية وَالْأَفْئِدَةَ لإدراك الكليات والجزئيات والمناسبات والمباينات الواقعة بين العلوم والإدراكات كل ذلك قد صدر عنه سبحانه بمقتضى القدرة والارادة الإلهية لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ رجاء ان تشكروا وتعدوا نعم منعمكم عليكم في شئونكم وتطوراتكم وتواظبوا على شكرها كي تعرفوا ذاته سبحانه وتتوجهوا نحوه

أَلَمْ يَرَوْا وينظروا إِلَى جنس الطَّيْرِ كيف صارت مُسَخَّراتٍ مذللات للطيران والسيران بريشات واجنحة منتشرة فِي جَوِّ السَّماءِ في الهواء المتباعد عن الأرض ما يُمْسِكُهُنَّ بلا علاقة ودعامة إِلَّا اللَّهُ المتفرد بالقدرة التامة الكاملة الباعثة عن صدور أمثال هذه المقدورات وبالجملة إِنَّ فِي ذلِكَ الإمساك العجيب والشأن الغريب لَآياتٍ ودلائل قاطعات على كمال علم الله ومتانة قدرته وارادته لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ بوحدة الحق ويعتقدون اتصافه بعموم أوصاف الكمال

وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ اى من جملة مقدوراته المتعلقة بأمور معاشكم انه قد جعل لكم مِنْ بُيُوتِكُمْ التي أنتم قد بنيتم بأيديكم باقدار الله وتمكينه وتعليمه إياكم سَكَناً ومسكنا تسكنون أنتم فيه كالبيوت المتخذة من الحجر والمدر والآجر والخشب وَجَعَلَ لَكُمْ ايضا مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها تحملونها وتنقلونها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ سفركم وترحالكم من مكان الى مكان وَكذا يَوْمَ إِقامَتِكُمْ وحضركم وَقد جعل لكم ايضا مِنْ أَصْوافِها هي للضأن والغنم وَأَوْبارِها هي للإبل وَأَشْعارِها هي للمعز أَثاثاً اى ما يلبس ويفرش وَصار ذلك مَتاعاً وتمتيعا لكم تتمتعون به إِلى حِينٍ ومدة متطاولة من الزمان

وَاللَّهُ قد جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ من الابنية والأشجار ظِلالًا تتفيئون وتستظلون بها من حر الشمس وَجَعَلَ لَكُمْ ايضا مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً كهوفا وثقوبا تسكنون أنتم فيها لدفع البرد والحر وَقد جَعَلَ لَكُمْ ايضا سَرابِيلَ أثوابا واكسية متخذة من الصوف والقطن والكتان والحرير وغيرها تَقِيكُمُ الْحَرَّ اى تحفظكم من شدة الحرارة وَسَرابِيلَ اى الدروع والجواشن والسربالات تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ عند الحرب والقتال كَذلِكَ اى مثل ما ذكر من انواع النعم يُتِمُّ نِعْمَتَهُ الفائضة عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ تنقادون وتطيعون وتسلمون أموركم كلها اليه سبحانه وتتخذونه وكيلا كفيلا

فَإِنْ تَوَلَّوْا انصرفوا واعرضوا عن حكم الله بعد ما قد تلوت عليهم يا أكمل الرسل ما تلوت من أوامر الله وحكمه وأحكامه ولم تقبلوا منك كلمة الحق لا تبال بهم وباعراضهم فَإِنَّما عَلَيْكَ وما أمرك وليس في وسعك وطاقتك الا الْبَلاغُ الْمُبِينُ والتبليغ الواضح فقد بلغت وأوضحت وعلينا الحساب والجزاء بالعذاب والعقاب

وكيف لا يحاسبون ولا يعاقبون أولئك المشركون المكابرون إذ هم يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ التي قد عددها وهيأها لهم ثُمَّ يُنْكِرُونَها من خبث بواطنهم بحيث أسندوها الى شركائهم وشفعائهم وَبالجملة أَكْثَرُهُمُ اى عرفاؤهم وعقلاؤهم الذين يعرفون النعمة والمنعم ثم ينكرون انعامه ويسندونها الى شركائهم وكذا اتباعهم وضعفاؤهم في العقل والتمييز كلهم أصلا وفرعا تابعا ومتبوعا هم الْكافِرُونَ الجاحدون المنكرون الله وانعامه المقصورون على الكفر والشقاق يجازون على مقتضى جحودهم وانكارهم

وَاذكر يا أكمل الرسل يَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً الا وهو نبيهم القائم بأمرهم المشرف الناظر بحالهم من قبل الحق ليشهد لهم او عليهم بالإيمان او الكفر يوم العرض والجزاء

<<  <  ج: ص:  >  >>