للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمرادات هدايتكم جميعا لَجَعَلَكُمْ وخلقكم أُمَّةً واحِدَةً مقتصدة متفقة على الهداية والرشد وَلكِنْ حكمته تعالى تقتضي خلاف ذلك ولهذا يُضِلُّ عن جادة هدايته مَنْ يَشاءُ من عباده بمقتضى قهره وجلاله وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ منهم حسب لطفه وجماله وَبالجملة لَتُسْئَلُنَّ أنتم ولتحاسبن كل منكم يوم العرض والجزاء عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ اى عن عموم أعمالكم خيرا كان او شرا

وَبعد ما أشار سبحانه الى قبح المكر والخديعة سيما بعد التوكيد باليمين والحلف ترويجا لما في أنفسهم من الظلم والعدوان صرح بالنهى تأكيدا ومبالغة ليحترز المؤمنون عن أمثاله فقال لا تَتَّخِذُوا ايها المؤمنون أَيْمانَكُمْ ومواثيقكم دَخَلًا مفسدة مبطنة مخفية بَيْنَكُمْ ترويجا لكذبكم فَتَزِلَّ قَدَمٌ اى ان فعلتم كذلك واتصفتم بهذه الخصلة المذمومة قد تزل وتزلق قدم كل منكم عن شعائر الدين وجادة الايمان والتوحيد سيما بَعْدَ ثُبُوتِها واستقرارها فيها وَتَذُوقُوا السُّوءَ والعذاب في النشأة الاولى بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ اى بسبب ميلكم وانحرافكم عن طريق الحق الذي هو الوفاء بالعهود والمواثيق وَلَكُمْ بسبب ارتكاب هذا المنهي عَذابٌ عَظِيمٌ في النشأة الاخرى بأضعاف ما في الاولى وآلافه

وَايضا لا تَشْتَرُوا ولا تستبدلوا ولا تأخذوا ايها المؤمنون بِعَهْدِ اللَّهِ اى بنقض عهده والارتداد عن دينه ثَمَناً قَلِيلًا من حطام الدنيا على سبيل الرشى إِنَّما عِنْدَ اللَّهِ لوفائكم بعهده وثباتكم على دينه من اجر عظيم اخروى هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وانفع لبقائه وعدم زواله ودوام لذته إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ خيريته لاخترتموه البتة

وكيف لا يكون ما عند الله خيرا لكم إذ ما عِنْدَكُمْ من حطام الدنيا ومزخرفاتها يَنْفَدُ يزول ويضمحل وَما عِنْدَ اللَّهِ من اللذات الاخروية والمعارف اليقينية باقٍ لا يزال بقاء ابديا سرمديا الى ما شاء الله لا حول ولا قوة الا بالله. ثم قال سبحانه وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا على ما فوتوا من الامتعة الفانية والاعراض الدنية الدنياوية بسبب ثباتهم وتقررهم على الأمور الأخروية ولم ينقضوا العهود والمواثيق المتعلقة بالدين القويم وبالجملة لم يستبدلوا الأعلى الباقي بالأدنى الفاني والآجل الدائم بالعاجل الزائل الزائغ وقد لحقهم بسبب ذلك ما لحقهم من المحن والشدائد العاجلة وضاع عنهم ما ضاع من لذاتها وشهواتها فصبروا على جميعها ولأعطيناهم أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ يعنى لنجزينهم ونثيبنهم بجزاء احسن وأوفر من مقتضى عملهم لوفائهم على عهودنا ومواثيقنا وجريهم بمقتضى أمرنا ونهينا

وبالجملة مَنْ عَمِلَ منكم عملا صالِحاً لقبولنا ناشئا مِنْ ذَكَرٍ منكم أَوْ أُنْثى وَالحال انه هُوَ في حين العمل مُؤْمِنٌ موحد بالله مصدق للرسل والكتب المنزلة إليهم ممتثل بجميع ما جاء به الرسول صلّى الله عليه وسلّم طالب للترقي من العلم الى العين ثم الى الحق فَلَنُحْيِيَنَّهُ بعد فنائه عن لوازم بشريته بموته الإرادي وبانخلاعه طوعا عن مقتضيات أوصاف بهيميته بإرادته واختياره حَياةً طَيِّبَةً معنوية خالصة عن وصمة الموت والفوت مطلقا خالية عن شوب الزوال والانقضاء صافية عن مطلق الكدورات المتعلقة للحياة الصورية وَبالجملة لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ اى اجر عملهم وصبرهم عن مقتضيات القوى البشرية والحيوة الصورية بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ اى احسن وأوفر من جزاء عملهم الذي قد جاءوا به حين كانوا سائرين إلينا طالبين الوصول الى صفاء توحيدنا ومن جملة الأعمال الصالحة المثمرة للحياة الطيبة المعنوية بل من أجلتها قراءة القرآن المشتمل على جميع المعارف والحقائق والمكاشفات والمشاهدات المترتبة على سلوك طريق التوحيد والعرفان

فَإِذا

<<  <  ج: ص:  >  >>