للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخذلانهم فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ المقصورون على الخسران الأبدي والحرمان السرمدي

ثُمَّ بعد ما سمعت احوال أولئك المقهورين المطرودين إِنَّ رَبَّكَ الذي رباك يا أكمل الرسل بأنواع الكرامات وأوصلك الى أعلى المقامات يجزى خير الجزاء تفضلا وإحسانا لِلَّذِينَ هاجَرُوا عن بقعة الإمكان سيما بعد ما كوشفوا بما فيها من الخذلان والخسران وانواع الرذائل والحرمان وذلك مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا بأنواع الفتن والمحن باستيلاء جنود الامارة عليهم ثُمَّ جاهَدُوا معها بترك مألوفاتها وقطع تعلقاتها وبصرفها عن مشتهياتها ومستلذاتها وَصَبَرُوا على متاعب الرياضات ومشاق المجاهدات الى ان صارت امارتهم مطمئنة راضية مرضية وبعد قطع مسالك السلوك ومنازل التزلزل والتلوين إِنَّ رَبَّكَ المفضل المحسن إليك يا أكمل الرسل والى من تبعك من خيار المؤمنين مِنْ بَعْدِها اى بعد ارتكاب المجاهدات والرياضات لَغَفُورٌ لهم يستر انانيتهم ويفنيهم عن هوياتهم مطلقا رَحِيمٌ لهم يمكنهم في مقام الرضا والتسليم مطمئنين مرضيين هب لنا من لدنك رحمة تنجينا عن التلوين وتوصلنا الى مكان التمكين بحولك وقوتك يا ذا القوة المتين.

واذكر يا أكمل الرسل المبعوث الى كافة الأنام يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ عاصية ومطيعة تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وذاتها وتهتم بشأنها بلا التفات منها الى شفاعة غيرها إذ هي يومئذ رهينة بما كسبت من خير وشر وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ جزاء ما عَمِلَتْ طاعة او معصية وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ في جزائهم وأجورهم لا زيادة ولا نقصانا بمقتضى العدل الإلهي

وَبعد ما أراد سبحانه ان ينبه على اهل النعمة وارباب الرخاء والرفاهية ان لا يبطروا ولا يباهوا بما في أيديهم من النعم بل يقيموا ويديموا على شكرها وأداء حقها خوفا من زوالها وفنائها وانقلابها شدة ونقمة ضَرَبَ اللَّهُ المدبر لأمورهم مَثَلًا يعتبرون منه ويتعظون به قَرْيَةً هي مكة اوايلة قد كانَتْ نفوس أهلها آمِنَةً عن الخوف من العدو والجوع من نقصان الغلات والأثمار مُطْمَئِنَّةً بما عندهم من الحوائج بلا تردد ومشقة إذ يَأْتِيها رِزْقُها على الترادف والتوالي رَغَداً واسعا وافرا مِنْ كُلِّ مَكانٍ من البلاد التي في حواليها ونواحيها وهم صاروا مترفهين متنعمين فيها الى ان بطروا وباهوا فَكَفَرَتْ أهلها بِأَنْعُمِ اللَّهِ الواصلة إليهم وأسندوها الى غير الله عنادا ومكابرة وخرجوا على رسول الله وطعنوا بكتاب الله المنزل عليه ونسبوه الى ما لا يليق بشأنه مكابرة فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بعد نزع خلعة الأمن والاطمئنان يعنى قد سار اثر الجوع والخوف في سائر أعضائهم وجوارحهم سريان اثر المذوقات في جميع أجزاء الجسد استعير لها اللبس لإحاطتها وشمولها والذوق لسريانها ونفوذها بحيث لا يخلو عن اثرهما جزء من أجزاء البدن كل ذلك بِما كانُوا يَصْنَعُونَ بشؤم ما صنعوا من الكفر والكفران والتكذيب والطعن والعناد والاستكبار على العباد

وَكيف لا يأخذهم ولا يذيقهم لَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ أفضل وأكمل من جميع الرسل الماضين مصحوبا مع كتاب كامل شامل أكمل واشمل من سائر الكتب السالفة فَكَذَّبُوهُ أشد تكذيب وأنكروا له افحش انكار فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ العاجل وهو الجدب الواقع بينهم او وقعة بدر وَالحال انه في تلك الحالة هُمْ ظالِمُونَ خارجون عن مقتضيات الحدود الإلهية منكرون مكذبون على الله وعلى رسوله وعلى العذاب الآجل مطلقا وسيأخذهم ويلحقهم في النشأة الاخرى بأضعاف ما في النشأة الاولى وآلافه وإذا سمعتم ايها المؤمنون المعتبرون نبذا من أوصاف أولئك الأشقياء المغمورين

<<  <  ج: ص:  >  >>