للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سبحانه مخاطبا له عليه السّلام خطاب تمكين وتكريم إرشادا له وتعليما

ادْعُ يا أكمل الرسل إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ اى الى طريق توحيد مربيك الذي قد أرشدك الى معارج عنايته وهداك الى كمال كرامته كافة البرايا وعامة العباد بِالْحِكْمَةِ المتقنة البالغة الملينة لقلوبهم عن صلابة التقليدات الراسخة الموروثة لهم عن آبائهم وأسلافهم المصفية لنفوسهم عن الحمية الجاهلية المتمكنة فيها الخالية عن توهم السطوة والصولة والاستيلاء المثيرة لانواع الاعراض النفسانية المترتبة على القوى البشرية المزيلة لانواع الشبه والتخيلات الناشئة من الوسائل والأسباب العادية المقنعة لنفوسهم الى ان أخذوها دلائل مشيرة الى شواهد وتنبيهات متناسبة ملائمة للفطرة الاصلية التي فطر الناس عليها رجاء ان يتفطنوا ويتنبهوا بمقتضى جبلتهم وحسب فطرتهم الاصلية وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ المورثة لهم يقظة وانتباها من سنة الغفلة ورقود النسيان المحصلة لهم شوقا وسرورا الى مبدئهم ومنشئهم المرغبة لهم الى اللذات الروحانية الدائمة الباقية المستمرة ازلا وابدا بلا ورود زوال وانقضاء المنفرة عماهم عليه من العوائق والعلائق الناسوتية العائقة من اللذات الوهمية المقتضية المنقطعة المورثة لانواع المحن والأحزان وَان افتقرت يا أكمل الرسل في دعوتهم الى المجادلة معهم ومكالمتهم أحيانا جادِلْهُمْ بِالَّتِي اى بالطريقة التي هِيَ أَحْسَنُ الطرق وأسلمها واعدلها من المقدمات المعتدلة الدالة على المساواة من كلا الجانبين برفق تام وتليين كامل ومسكنة وإرخاء عنان خال عن السطوة والتهور والغضب والتكبر والتجبر وعن الضحك والتمسخر والاستهزاء والتجهيل والتسفيه والتشنيع الشنيع كما يفعله عوام العلماء في مباحثاتهم ومحاوراتهم إذ هي بعيدة عن الحكمة بمراحل مثيرة لانواع الفتن والخصومات واصناف الأغراض النفسانية والأمراض الهيولانية ولك ايضا ان لا تبالغ في هدايتهم وايمانهم ولا تتشوش من ضلالهم وطغيانهم إذ ما عليك الا تبليغ ما أرسلت به واما حصول الهداية او الضلالة فيهم فأمر خارج عن وسعك وطاقتك إِنَّ رَبَّكَ المطلع على استعدادات عباده وقابلياتهم هُوَ أَعْلَمُ منك بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ الموصل الى وحدة ذاته وَهُوَ أَعْلَمُ ايضا بِالْمُهْتَدِينَ منهم إذ قد قدر في سابق قضائه وحضرة علمه هدايتهم وضلالهم وكذا جميع ما جرى وسيجرى عليهم من شئونهم وتطوراتهم على التفصيل بحيث لا يشذ عن حيطة حضرة علمه شيء منها وبعد ما امر سبحانه حبيبه بما امر من آداب الدعوة واخلاق الرسالة والنبوة ومراعاة حقوق الأنام والمداراة معهم أشار الى المجاراة والمجازاة والقصاص والعقوبات الواقعة في امر الرسالة ووضع التشريع والتبليغ إذ هي مبنى على الأمر بترك المألوفات ورفض العادات والاعتقادات وترك التقليدات والتخمينات لذلك لا يخلو عن المنازعات والمخاصمات المؤدية الى انواع الجنايات فقال سبحانه مخاطبا له ولمن تبعه من المؤمنين

وَإِنْ عاقَبْتُمْ ايها المؤمنون منتقمين عنهم فَعاقِبُوا اى فعليكم ان تعاقبوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ لا أزيد منه إذ الزيادة منافية لاعتدال الايمان والتوحيد وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ ايها المؤمنون على ما أصابكم من العقوبات وأعرضتم عن الانتقام صفحا وكظمتم الغيظ كظما لَهُوَ اى العفو والكظم خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ الذين صبروا على ما أصابهم من المكاره المسترجعين الى الله مسندين انزاله اليه سبحانه بلا رؤية الوسائل في البين بل هم يعدون العناء عطاء والترح فرحا والنقمة نعمة والمحنة منحة لصدور الكل من الله سبحانه بلا رؤية الأسباب العادية في البين وبعد ما قد خاطب واوصى سبحانه للمؤمنين بالصبر والعفو على وجه العموم وترك الانتقام خص رسوله صلّى الله عليه وسلّم من بينهم بهذا الخطاب

<<  <  ج: ص:  >  >>