للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وثمود لعتوهم وعنادهم مع رسل الله وَلا يحتاج في اثبات ضلال أولئك الضالين المضلين الى شاهد ومبين بل كَفى بِرَبِّكَ اى كفى ربك يا أكمل الرسل بِذُنُوبِ عِبادِهِ وخروجهم عن أطاعته وانقياده خَبِيراً إذ هو سبحانه عالم بعموم ما في سرائر عباده وبما في ضمائرهم بل بما في استعداداتهم وقابلياتهم بَصِيراً بما في علنهم وظواهرهم

وبالجملة مَنْ كانَ منهم يُرِيدُ اللذات الْعاجِلَةَ والشهوات الفانية الزائلة عَجَّلْنا وأعطينا لَهُ فِيها اى في النشأة الاولى ابتلاء له واختبارا وتلبيسا عليه واغترارا ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ لأنا مطلعون على ما في سره وضميره ثُمَّ جَعَلْنا وهيأنا في النشأة الاخرى لَهُ جَهَنَّمَ منزل الطرد والحرمان حال كونه يَصْلاها ويطرح فيها مَذْمُوماً مشؤما محروما مَدْحُوراً مطرودا مقهورا

وَمَنْ أَرادَ منهم بامتثال الأوامر المتعلقة بمصالح الدين وباجتناب نواهيه المخلة له الْآخِرَةَ اى اللذات الاخروية الابدية وَسَعى لَها سَعْيَها واجتهد فيها بمقتضى الأمر الإلهي وَالحال انه هُوَ في حال السعى والاجتهاد مُؤْمِنٌ موقن مصدق بوحدانية الله وبعموم ما نزل من عنده على رسله بلا شوب تزلزل وتردد فَأُولئِكَ السعداء المقبولون قد كانَ سَعْيُهُمْ واجتهادهم في امتثال الأوامر واجتناب النواهي مَشْكُوراً مقبولا مستحسنا وعملهم مبرورا وجزاؤهم موفورا وهم كانوا في دار الجزاء مغفورين مسرورين

كُلًّا نُمِدُّ اى كل واحد من الفريقين المطيع والعاصي نيسر ونوفق له بمقتضى ما يهوى ويريد هؤُلاءِ المؤمنين المطيعين نوفقهم على الطاعات ونجنبهم عن المعاصي وَهَؤُلاءِ الكافرين العاصين نيسر لهم ما يميل اليه نفوسهم من الاهوية الفاسدة والآراء الباطلة إذ كل ميسر لما خلق له وبالجملة كل ذلك مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ يا أكمل الرسل الذي رباك وعموم عباده بأنواع اللطف والكرم وَكيف لا ييسرهم سبحانه ولا يوفقهم الى ما يعنيه نفوسهم إذ لا رازق لهم سواه ولا معطى لهم غيره لذلك ما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً ممنوعا عن الكافر لكفره وعصيانه موفورا على المؤمنين لإيمانه بل لا يعلل فعله بالإعراض والأعواض مطلقا يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ارادة واختيارا والتفاوت الجاري بين عباده انما هو لحكمة ومصلحة قد استأثر الله به في غيبه لا اطلاع لاحد عليه

لذلك قال سبحانه انْظُرْ ايها الناظر المعتبر كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ في النشأة الاولى بالمال والجاه والثروة والرياسة عَلى بَعْضٍ مبتلى بالفقر والمسكنة وانواع المذلة والهوان وَلَلْآخِرَةُ المعدة للذات الروحانية ولانواع الحقائق والمعارف والمكاشفات والمشاهدات أَكْبَرُ دَرَجاتٍ لبقاء لذاتها ابد الآباد وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا من الفضل المستعار الفاني الزائل بسرعة ومتى اعتبرت ايها المعتبر وتأملت ما فيه من العبر

لا تَجْعَلْ ولا تتخذ مَعَ اللَّهِ الواحد الأحد الفرد الصمد المتعزز برداء الفردانية إِلهاً آخَرَ كفوا له يعبد بالحق مثله وكيف تجعل وتأخذ ربا سواه والحال انه ليس في الوجود الا هو مع انك ان جعلت معه وأخذت الها سواه فَتَقْعُدَ أنت بعد جعلك واتخاذك ظلما وزورا خائبا خاسرا بل مَذْمُوماً عند الملائكة وعموم المؤمنين مَخْذُولًا عند الله يوم العرض الأكبر

وَكيف يتخذ ويثبت اله سواه مع انه قد قَضى رَبُّكَ يا أكمل الرسل وحكم حكما محكما مقطوعا مبرما أَلَّا تَعْبُدُوا اى بان لا تعبدوا ايها البالغون حد التكليف القابلون للعبادة والانقياد إِلَّا إِيَّاهُ إذ لا مستحق للعبادة والانقياد سواه وكيف لا هو المستقل بايجادكم واظهاركم بلا

<<  <  ج: ص:  >  >>