للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكم ايها الناصحون عليها

بل رَبُّكُمْ الذي رباكم أَعْلَمُ بِكُمْ ايها المجبولون على فطرة المعرفة والايمان إِنْ يَشَأْ هدايتكم يَرْحَمْكُمْ بمقتضى جوده ويوفقكم على قبول الايمان وحصول العرفان عناية منه وفضلا أَوْ إِنْ يَشَأْ غوايتكم يُعَذِّبْكُمْ ويبقكم في تيه الحرمان والخذلان خاسرين خائبين بمتابعة الشيطان وَبالجملة ما أَرْسَلْناكَ يا أكمل الرسل وأفضل البرايا مع انك لولاك لما خلقنا الأفلاك إذ كل ما في العالم من المظاهر مربوط منوط بمرتبتك المحيطة الجامعة للكل ومع ذلك ما جعلناك عَلَيْهِمْ وَكِيلًا ليكون أمورهم كلها موكولا إليك بحيث إذا أردت أنت هداية بعض وضلال آخرين فيقع مرادك بلا خلف بل ما أرسلناك الا مبلغا بشيرا ونذيرا وما عليك الا البلاغ وعلينا الإصلاح او الإفساد إذ نحن بكمال استغنائنا عن مطلق مظاهرنا ومصنوعاتنا مستقلون في تدبيرات امور ملكنا وملكوتنا وشهادتنا وغيبنا وجبروتنا وناسوتنا ولاهوتنا

وَبالجملة رَبُّكَ يا أكمل الرسل أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى باستعدادات الملائكة السماويين والارضيين وقابليات الثقلين السفليين وَلعلمنا باستعدادات عموم عبادنا لَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ بسنة سنية وخصلة حميدة مثل تفضيلنا ابراهيم بالخلة وكمال الحلم ولوقار ونهاية الخشية والطمأنينة وموسى بالتكليم وسائر المعجزات وعيسى بأنواع الارهاصات والكرامات والمعجزات من الارتقاء نحو السماء والتكلم في غير أوانه ووجوده بلا أب وسليمان بالملك العظيم وقد فضلناك يا أكمل الرسل بخصائص ما أعطينا الأنبياء الماضين ولا أحدا من العالمين من شق القمر والمعراج الصوري والمعنوي وغير ذلك من الكمالات العلية والكرامات السنية التي لا تكاد تحصى وَمن جملة تفضيلنا إياهم ايضا انا قد آتَيْنا داوُدَ زَبُوراً مشتملا على انواع الحكم وفصل الخطاب سيما على القاب خاتم الرسالة ومتمم مكارم الأخلاق صلّى الله عليه وسلّم وعلى نسخ دينه عموم الأديان وكتابه جميع الكتب وكون أمته اشرف الأمم ودينه أكمل الأديان

قُلِ يا أكمل الرسل للمشركين الذين يدعون آلهة غير الله ويعبدونهم كعبادته على سبيل التعجيز والتقريع ادْعُوا عند نزول البلاء وهجوم المحن والعناء عليكم شركاءكم الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أنتم آلهة مِنْ دُونِهِ اى من دون الله سبحانه حتى ينقذوكم من الشدة والبأس وأنتم وان بالغتم في الدعاء والتوجه نحوهم والالتجاء إليهم فَلا يَمْلِكُونَ اى فهم لا يملكون ولا يقدرون يعنى آلهتكم كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ فكيف عنكم بل عن أنفسهم وَلا تَحْوِيلًا دفعا وترديدا منكم الى غيركم

إذ أُولئِكَ الفقراء الضعفاء الَّذِينَ يَدْعُونَ إليهم ويدعونهم آلهة كالملائكة وعيسى وعزير عليهم السّلام يَبْتَغُونَ ويطلبون من شدة احتياجهم إِلى رَبِّهِمُ الذي أوجدهم وأظهرهم من كتم العدم الْوَسِيلَةَ المقربة لهم اليه سبحانه من الأعمال الصالحة والأخلاق المرضية المقبولة عند الله ليظهر لهم أَيُّهُمْ أَقْرَبُ اليه واقبل عنده وَمع ذلك يَرْجُونَ في مناجاتهم وكذا خلال خلواتهم وصلواتهم مع ربهم رَحْمَتَهُ بمقتضى فضله ولطفه وَيَخافُونَ عَذابَهُ بمقتضى قهره وعدله إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ يا أكمل الرسل قد كانَ مَحْذُوراً واجب الحذر لكل من دخل تحت حيطة التكليف الإلهي سواء كان نبيا او وليا.

ثم قال سبحانه وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ اى ما من قرية من القرى الهالكة إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها بالخسف او الكسف او الزلزلة او الطاعون او غير ذلك قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً كالقتل والنهب والأسر وانواع البلايا والمصيبات قد كانَ ذلِكَ الإهلاك

<<  <  ج: ص:  >  >>