للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلمناه بإرسال الرسل وإنزال الكتب إياه فهو نازل كل التنازل عن درجة الاعتبار ساقط عن رتبة ذوى الألباب والأبصار بل أولئك البعداء الضالون عن منهج الرشد كالأنعام بلا شعور الى ما جبلوا لأجله بل أضل سبيلا منها وأسوأ حالا ومآلا ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور اذكر يا أكمل الرسل للمفضلين المكرمين على سائر المخلوقات

يَوْمَ نَدْعُوا ونحشر كُلَّ أُناسٍ منهم لنسألهم ونطلب عنهم ما كسبوا وما حصلوا من المعارف والحقائق والأعمال المقربة إلينا باقتدائهم بِإِمامِهِمْ الذي قد أرسل إليهم وانزل عليهم من الرسل والكتب لإرشادهم وهدايتهم مع انا قد كتبنا خيرهم وشرهم اللذين قد جاء كل منهم بهما في صحيفة ونعطيهم اليوم صحائف أعمالهم بأيديهم فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ منهم بِيَمِينِهِ فهو دليل خيرية اعماله وطيب أحواله فَأُولئِكَ السعداء المقبولون اصحاب اليمين يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ فرحين بما فيه مسرورين فيجازون بمقتضى ما كتب بل بأضعافها وآلافها عناية منا وفضلا وَهم لا يُظْلَمُونَ ولا ينقصون من أجور أعمالهم فَتِيلًا مقدار ما في ظهر النواة من الخط الأسود او بين الأصابع من الوسخ المفتولة

وَمن اوتى كتابه بشماله فهو علامة شرية اعماله ووخامة أحواله ومآله فأولئك الأشقياء المردودون اصحاب الشمال والشآمة ينظرون الى كتابهم فيجدون ما فيه من انواع المعاصي والآثام فيغمضون عيونهم عن قراءتها آيسين محزونين فيجازون بمقتضى ما كتب مثلا بمثل عدلا منه سبحانه إذ مَنْ كانَ فِي هذِهِ النشأة أَعْمى عن مطالعة آثار الأوصاف الذاتية الإلهية وملاحظة عجائب صنعه وغرائب حكمته وبدائع تجلياته وتطوراته المتجددة آنا فآنا لحظة فلحظة فَهُوَ فِي النشأة الْآخِرَةِ ايضا أَعْمى إذ النشأة الاولى مزرعة لعموم الخيرات والاخرى وقت الحصاد فمن لم يزرع فيها فهو في وقت الحصاد مغبون أعمى عن وجدان الخيرات وَأَضَلُّ سَبِيلًا لفوات اسباب التدارك والتلافي عنه فيبقى متحيرا مدهوشا قلقا حائرا ضالا مستوحشا. ثم قال سبحانه مخاطبا لحبيبه صلّى الله عليه وسلّم على وجه التأديب والتنبيه بعد ما ظهر عليه مخايل الميل والركون عن الحق بمخادعة اهل الكفر والنفاق

وَإِنْ كادُوا اى ان الشأن ان الكفرة الضالين المسرفين قد قاربوا لَيَفْتِنُونَكَ يا أكمل الرسل ويوقعونك في الفتنة الشديدة بالميل والانصراف عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وأنزلنا في كتابك من الأوامر والنواهي والاحكام المتعلقة بتهذيب الظاهر والباطن ويرغبونك لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ اى غير ما أوحينا إليك وَإِذاً اى حين افترائك وانتسابك إلينا غير ما أوحينا لك من الأمور التي تشتهيها أنفسهم وترتضيها قلوبهم لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا وآمنوا بك بواسطة انتسابك هذا إلينا واتفاقك معهم في ذلك الافتراء والمراء نزلت في ثقيف حين قالوا لا نؤمن بك حتى تخصنا بخصال نفتخر ونباهى بها على سائر العرب لا نعشر ولا نحشر ولا نجبى في صلاتنا وكل ربوا لنا فهو لنا وكل ربوا علينا فهو موضوع عنا وان تمتعنا باللات سنة وان تحرم وادينا كما حرمت مكة فان قالت العرب لم فعلت معهم هذا ولم خصصتهم بتلك الكرامات فقل ان الله قد أمرني وأوصاني بها وانتظر ان تنزل آية فيها فان فعلت بنا هذه نؤمن بك ونصدقك ونتخذك خليلا فتردد صلّى الله عليه وسلّم وقرب ان يميل ويركن لشدة ميله الى ايمانهم واتباعهم فجاءه جبريل عليه السّلام ومنعه عن هذا الرأى

لذلك قال سبحانه وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ اى ولولا اثباتنا وثثبيتنا إياك يا أكمل الرسل في مقر صدقك وتمكينك لَقَدْ كِدْتَ وقاربت أنت تَرْكَنُ وتميل إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا اى قد صرت في صدد

<<  <  ج: ص:  >  >>