للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الميل والركون الى انجاز ما أرادوا وإنجاح ما قصدوا

وبالجملة إِذاً اى حين انجاحك مسئولهم ومأمولهم وفعلت معهم ما طلبوا منك لَأَذَقْناكَ في نشأتك هذه ضِعْفَ الْحَياةِ اى ضعف عذاب من جاء بمثله في النشأة الاولى وَكذا ضِعْفَ الْمَماتِ اى قد أذقناك ايضا ضعف عذاب من جاء به في النشأة الاخرى يعنى نعذبك في الدنيا والآخرة بضعف عذاب من جاء به من سائر الناس لان جزاء الأبرار لو أتوا بالمعاصي والآثام ضعف جزاء الأشرار بل اكثر إذ لا يتوقع منهم الانحراف عن منهج الرشد أصلا ولو انصرفوا أخذوا بضعف من يتوقع منهم الانحراف والانصراف ثُمَّ بعد أخذنا إياك وانتقامنا عنك بكذا لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً اى لا تجد أنت لك نصيرا يظهر علينا بنصرتك ويطالبنا بانقاذك عن عذابنا

وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ اى وان قاربوا ليحركونك ويضطرونك بالنقل والجلاء مِنَ الْأَرْضِ التي قد استقررت أنت عليها وتمكنت فيها يعنى مكة لِيُخْرِجُوكَ مِنْها معللين بان الأنبياء والرسل انما بعثوا في ارض الشأم والأرض المقدسة خصوصا أجدادك ابراهيم وإسماعيل واسحق ويعقوب وأولادهم واسباطهم صلوات الله عليهم كلهم قد بعثوا فيها فلك ان تخرج إليها حتى نؤمن لك ونصدق برسالتك وما ذلك الا حيلة وخديعة معك قصدوا ليخرجوك بها من مكة حتى تبقى الرياسة لهم وَلا تغتم يا أكمل الرسل ولا تحزن بالخروج منها فإنك إِذاً لو خرجت أنت منها وهم ايضا لا يَلْبَثُونَ ولا يقيمون اى أولئك الضالون المفسدون المسرفون فيها خِلافَكَ وبعد خروجك إِلَّا زمانا قَلِيلًا وقد جرى الأمر على مقتضى وعد الله سبحانه إياه صلّى الله عليه وسلّم فإنهم بعد ما هاجر عليه السّلام قتلوا ببدر بعد مدة يسيرة وليس اخراجك يا أكمل الرسل عن مكة وإهلاكهم بعد خروجك منها ببدع منا مستحدث بل من سنتنا القديمة وعادتنا المستمرة إهلاك الأمم الذين اخرجوا نبيهم المبعوث إليهم من بين أظهرهم عنادا بل قد صار ذلك

سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا المبعوثين الى الأمم الماضية اى من سنتنا القديمة الموضوعة فيهم بالنسبة الى اقوامهم فكذلك حالك مع هؤلاء المعاندين المكذبين وَبعد ما قد استمرت منا هذه السنة السنية لا تَجِدُ أنت ولا غيرك ايضا لِسُنَّتِنا المنبعثة من كمال حكمتنا تَحْوِيلًا تغييرا وتبديلا أذلنا فيها حكم ومصالح مخفية قد استأثرنا بها لا اطلاع لك عليها وانما عليك التوجه والتقرب إلينا في عموم أوقاتك وحالاتك سيما في الأوقات المكتوبة المحفوظة

أَقِمِ الصَّلاةَ وأدم الميل والتوجه نحونا لِدُلُوكِ الشَّمْسِ اى حين زوالها من الاستواء إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ اى ظلمته بغروبها الى حيث لم يبق من بقية آثار ضوءها شيء أصلا فيسع في المحدود المذكور الظهر والعصر والمغرب والعشاء على ما عين الشرع لكل منها وقتا معينا وَطول قُرْآنَ صلاة الْفَجْرِ وأطل القيام فيها مع القراءة إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ الذي هو وقت الانكشاف وأوان الانجلاء الصوري المنبئ عن الانكشاف المعنوي والانجلاء الحقيقي الذي هو عبارة عن اشراق نور الوجود واضمحلال الاظلال والعكوس المشعرة بالكثرة والغيرية لذلك قد كانَ قراءة القرآن المبين لسرائر الوحدة الذاتية وكيفية سريانها على صفائح المكونات فيه مَشْهُوداً لخواص عباد الله من الملائكة والثقلين بل لجميع الحيوانات من الوحوش والطيور إذ الكل في وقت الفجر متوجهون نحو الحق مسبحون مهللون حالا ومقالا

وَان شئت ازدياد القرب والثواب قم واستيقظ من منامك في قطعة مِنَ اللَّيْلِ واترك النوم فيها طلبا لمرضاة الله فَتَهَجَّدْ بِهِ وصل فيها صلاة التهجد

<<  <  ج: ص:  >  >>