للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اى زالت ومالت عن الاستواء نحو المغرب تَقْرِضُهُمْ وتقطعهم وتنصرف عنهم ذاتَ الشِّمالِ اى جانب يسار الغار لحفظهم وحضانتهم عن حرها وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ اى والحال انه هم في متسع الغار ووسطه لا في زواياه بحيث لو لم يكن رعاية الله وحفظه إياهم وصرف شعاع الشمس عنهم لكانت متشعشعة عليهم الى وقت الغروب ذلِكَ اى نشر الرحمة وتهيئة الرفق والرأفة وصرف أذى الشمس وكذا صرف جميع المؤذيات عنهم مِنْ آياتِ اللَّهِ الدالة على قبوله سبحانه إياهم ورضاه عنهم لكونهم مهتدين الى زلال توحيده موفقين من عنده مبتغين لرضاه متوكلين عليه في جميع الأمور راضين بقضائه في كل الأحوال مخلصين له في عموم الأعمال مَنْ يَهْدِ اللَّهُ وأراد هدايته في سابق علمه وقضائه ومضى عليه حكمه ورضاؤه فَهُوَ الْمُهْتَدِ الموفق على الهداية والفوز بالفلاح المقصور عليها وان لم يصدر ولم يسبق منه الأعمال الصالحة تفضلا من الله إياه وامتنانا له من لدنه وَمَنْ يُضْلِلْ الله وتعلق مشيته بضلاله في سابق قضائه فهو الضال المقصور على الضلالة وان صدرت عنه الأعمال الصالحة لا يتبدل ضلالها أصلا وبعد ما أراد الحق ضلاله فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا يتولى امره بالشفاعة لينقذه من الضلال الفطري ويخرجه عن الوبال الجبلي مُرْشِداً يهديه ويرشده الى طريق الرشد ومنهج السداد

وَمن كمال لطف الله إياهم ووفور رأفته معهم لو رأيتهم ايها الرائي في مضاجعهم ومراقدهم تَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً متيقظين لانفتاح عيونهم وورود أنفاسهم وعدم نتنهم وانفساخهم وَهُمْ في أنفسهم رُقُودٌ نائمون مستريحون وَنُقَلِّبُهُمْ عناية منا إياهم وقت احتياجهم الى التقلب ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ كي لا تؤثر الأرض باضلاعهم وجوانبهم وَكَلْبُهُمْ هو كلب قد مروا عليه حين اوائهم ورجوعهم نحو الغار معتزلين فلحقهم فطردوه مرارا فلم يطرد فانطقه الله تعالى فقال انا أحب اولياء الله وأحباءه دعوني اقتفى اثركم فتركوه فتبعهم وقيل هو كلب راع قد مضوا عليه فأطعمهم وحكوا عليه حالهم فتبعهم وتبعه كلبه وقراءة من قرأ وكالبهم يؤيد هذا باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ اى بالباب او العتبة او الفناء وبالجملة لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ ايها الرائي ورأيت هيئة رقودهم في تلك الغار المهيب لَوَلَّيْتَ اى استدبرت ورجعت قهقرى هربا وهولا مِنْهُمْ فِراراً من هيبتهم وهيئتهم وَلَمُلِئْتَ واملأت صدرك مِنْهُمْ رُعْباً خوفا ومهابة من رقودهم منفتحة العيون عظيمة الأجسام في غار مهيب في خلال جبال عوال طوال بعيد عن العمران

وَكما ارقدناهم وأنمناهم على هذا الوجه العجيب والطرز الغريب كَذلِكَ بَعَثْناهُمْ وأيقظناهم لِيَتَسائَلُوا ويتقاولوا بَيْنَهُمْ حتى يستشعروا عن مدة رقودهم ولبثهم في الغار ليطلعوا على كمال قدرة الله ووفور جوده ورحمته عليهم ليزدادوا ايمانا يقينا واطمئنانا واعتمادا ووثوقا على كرم الله وفضله وغاية لطفه وبعد ما قاموا من هجعتهم قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ راقدين في هذا الغار قالُوا على سبيل الظن والتخمين إذ النائم لاطلاع له على مدة نومه لَبِثْنا يَوْماً تاما أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ لأنهم قد دخلوا الغار غدوة وانتبهوا في الظهيرة فظنوا انهم في يومهم او الذي بعده ثم لما شاهدوا طول اظفارهم واشعارهم قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ إذ هو قائم حاضر في كل حال بلا تبدل واختلال ونحن قد كنا نائمين لا شعور لنا بمدة رقودنا ايضا ولا يهم لنا تعيينها بل أهم أمورنا الآن الطعام إذ نحن جيعان فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ نحو المدينة مصحوبا بِوَرِقِكُمْ اى بعينكم ونقدكم المضروبة المسكوكة والورق في اللغة الفضة سواء كانت مضروبة أم لا والمراد هنا المضروبة هذِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>