للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تبقى معك في أولاك وأخراك الأعمال الصَّالِحاتُ المقربة لك الى الله المقبولة عنده المترتبة عليها النجاة من العذاب والنيل الى الفوز والفلاح وهي خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً اجرا وجزاء حسنا من اللذات الروحانية الموعودة لأرباب القبول والقلوب وَخَيْرٌ أَمَلًا اى عاقبة ومآلا إذ بها ينال المعارف والحقائق والمكاشفات والمشاهدات الموعودة لأرباب العناية والقبول من اصحاب القلوب الصافية المؤملين في عموم أوقاتهم وحالاتهم شرف لقاء الله والفوز بمطالعة وجهه الكريم

وَاذكر يا أكمل الرسل للناس الناسين عهود الله ومواثيقه الوثيقة يَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ ونحركها بالقدرة الكاملة والسطوة الهائلة الغالبة تحريكا شديدا بحيث نفتت اجزاءها ونحلل تراكيبها ونشتتها الى ان صارت دكاء وَتَرَى ايها المعتبر الرائي يومئذ الْأَرْضَ المملوة بالجبال الرواسي الحاجبة عما وراءها بارِزَةً ظاهرة ملساء مسوى بحيث لا ارتفاع لبعض اجزائها على بعض مظهرة لما فيها من الدفائن والخزائن والأموات المقبورة فيها وَبعد ظهورهم منها وبروزهم عليها قد حَشَرْناهُمْ وجمعناهم بأجمعهم حفاة عراة نحو الموقف والموعد المعد للعرض والجزاء فَلَمْ نُغادِرْ يومئذ ولم نترك مِنْهُمْ أَحَداً لا نسوقه الى المحشر

بعد جمعهم واجتماعهم في المحشر جميعارِضُوا عَلى رَبِّكَ

يا أكمل الرسل عرض العسكر على السلطان الصوري فًّا

صافين على الاستواء بحيث لا يحجب احد أحدا بل كل واحد واحد بمرائى ومشاهد بلا سترة وحجاب ثم يقال لهم من قبل الحق على سبيل السطوة والاستيلاء واظهار الهيبة القاهرة والسلطنة الغالبةقَدْ جِئْتُمُونا

اليوم حفاة وعراةما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ

كذلك اى في بدء وجودكم وظهوركم لْ

قد كنتم عَمْتُمْ

وظننتم فيما مضى من شدة بطركم وغفلتكم لَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً

اى انا لن نقدر على انجاز ما وعدناكم بالسنة رسلنا من البعث والحشر والعرض والجزاء بل قد كذبتم الرسل وانكرتم الوعد والموعود جميعا فالآن قد ظهر الحق الذي كنتم تمترون فيه

وَبعد ما عرضوا صافين على الوجه المذكور وُضِعَ الْكِتابُ المشتمل على تفاصيل أعمالهم وجميع أحوالهم وأطوارهم من بدء فطرتهم الى انقراضهم من النشأة الاولى المعدة لكسب الزاد للنشأة الاخرى بين يدي الله على رؤس الاشهاد فَتَرَى ايها الرائي الْمُجْرِمِينَ حينئذ مُشْفِقِينَ خائفين مرعوبين مِمَّا فِيهِ اى في الكتاب قبل القراءة عليهم وَبعد ما قرئ عليهم وسمعوا جميع ما صدر عنهم كائنة مكتوبة فيه على التفصيل الذي صدر عنهم بلا فوت شيء يَقُولُونَ متحسرين متمنين الموت مناجين في نفوسهم منادين يا وَيْلَتَنا وهلكتنا ادركينا فهذا وقت حلولك ونزولك مالِ هذَا الْكِتابِ العجيب الشان الجامع لجميع فضائحنا وقبائحنا بحيث لا يُغادِرُ ولا يترك فضيحة صَغِيرَةً صادرة منا وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها فصلها وعدها بلا فوت خصلة منها. روى عن ابن مسعود رضى الله عنه الصغيرة التبسم والكبيرة القهقهة وَبالجملة قد وَجَدُوا عموم ما عَمِلُوا من الخير والشر والحميدة والذميمة حاضِراً فيه ثابتا مكتوبا على وجهها بلا نقصان شيء منها ولا زيادة عليها وَكيف لا يكون كذلك إذ لا يَظْلِمُ رَبُّكَ يا أكمل الرسل أَحَداً من عباده لا بالزيادة ولا بالنقصان ولو قدر نقير ثم لما كان منشأ جميع الشرور والغرور وانواع عموم الفتن والغفلات واصناف الشرك والكفر والضلالات إبليس عليه اللعنة كرر سبحانه في كتابه قصة استكباره واستنكاره مرارا وأورده تكرارا تذكيرا للمتعظين المتيقظين وتنبيها على الغافلين المغرورين ليكونوا على ذكر منه ومن غوائله

<<  <  ج: ص:  >  >>