للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويطعموهما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ اى يميل ويشرف أَنْ يَنْقَضَّ اى يسقط وينهدم فَأَقامَهُ الخضر عليه السّلام وعدله وسواه بالعموم او اسقطه واحكم بنيانه وبناه جديدا ثم لما رأى موسى منه امرا مستغربا مستبدعا وهو انهما على جناح السفر ولم يكن بهما شغل وغرض متعلق بتعمير الجدار وإقامته قالَ على سبيل التعريض لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً وأخذت جعلا واكتسبت للتقوت والتزود بعد ما أبوا عن الضيافة

ثم لما سمع الخضر من موسى ما سمع قالَ هذا اى سؤالك وتعريضك فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ويوجب مفارقتي عنك لكن لا أفارقك في الحال بل سَأُنَبِّئُكَ وأخبرك بِتَأْوِيلِ ما اى الأمور التي قد أنكرت عليها واعترضت مفتتحا مستعجلا بحيث لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً حتى أحدثك وابينك سرائرها

مع انى أوصيتك ببيانها لك أولا ثم فصلها فقال أَمَّا السَّفِينَةُ التي قد خرقتها بالهام الله إياي والقائه على قلبي فَكانَتْ لِمَساكِينَ وضعفاء لا مكسب لهم سواها يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ بها ويعيشون من نولها فَأَرَدْتُ باذن الله ووحيه أَنْ أَعِيبَها واجعلها ذات عيب وَقد كانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ ظالم مستمر عليه وهو يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صحيحة غير معيبة غَصْباً ظلما وزورا بلا فدية فجعلتها ذات عيب حتى تبقى لهم وذلك باذن الله عناية منه سبحانه لضعفاء عباده ورعاية لحالهم في مصلحتهم

وَأَمَّا الْغُلامُ الذي قد قتلته على الفور فهو غلام قد جبله الحق على الكفر والعصيان وانواع الشرك والطغيان فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ موحدين فَخَشِينا عليهما من سوء فعاله وقبح حاله وخصاله أَنْ يُرْهِقَهُما ان يغشيهما وينطيهما طُغْياناً وَكُفْراً من غاية حبهما له وتحننهما إياه

فَأَرَدْنا واحببنا بقتله وهلاكه أَنْ يُبْدِلَهُما ويهب لهما بدله رَبُّهُما الذي رباهما بنعمة التوحيد والايمان وكرامة العصمة والعفاف ولدا خَيْراً مِنْهُ زَكاةً يعنى طاهرا مطهرا عن خبائث الكفر والآثام متصفا بحلية الايمان والإسلام وَأَقْرَبَ رُحْماً مرحمة وعطفا وبرا على الوالدين ولطفا. قيل قد ولدت لهما جارية بدل الغلام فتزوجها نبي من أنبياء الله فولدت نبيا قد هدى الله به امة من الأمم

وَأَمَّا الْجِدارُ الذي قد أردت إقامته وقصدت تعميره بالهام الله إياي ووحيه فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ ولم يبلغا الحلم وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما مدفون مخزون من ذهب وفضة قد دفن لهما أبوهما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً موحدا مسلما متوجها نحو الحق دائما فَأَرادَ رَبُّكَ يا موسى من كمال لطفه وعطفه لليتيمين ورعايته للأب الصالح أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما ويدخلا رشدهما ويخرجا عن يتمهما إذ لا يتم بعد البلوغ ويصيرا ذوى رأى رزين وفكر متين وَيَسْتَخْرِجا بعد ذلك كَنزَهُما وانما أمرني الله سبحانه بإقامة الجدار واحكام المخزن رَحْمَةً عطفا ومرحمة ناشئة مِنْ رَبِّكَ يا موسى شاملة عليهما تتميما لتربيتهما وتقويتهما وَبالجملة ما فَعَلْتُهُ انا وما أنكرت أنت عليه وما اعترضت وتعرضت فيه وبه يا موسى ليس صادرا عَنْ أَمْرِي ورأيى ناشئا عن تدبير عقلي وفكرى بل مما الهمنى الله به وجرأني عليه وأمرني بفعله فانا مأمور بل مجبور والمأمور معذور ذلِكَ المذكور على التفصيل تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ أنت ولم تطق عَلَيْهِ صَبْراً حتى ظهر لك سره ومما جرى بينهما صلوات الله وسلامه على نبينا وعليهما يتفطن العارف اللبيب والطالب الأديب ان شرط الاستفادة والاسترشاد ومناط الاستكمال وطلب الرشد هو ان يميت المريد المسترشد نفسه عن المرشد الكامل المكمل بالموت الإرادي بحيث لا يتأتى منه المعارضة والمقابلة أصلا فكيف

<<  <  ج: ص:  >  >>