للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة مريم عليها السّلام]

فاتحة سورة مريم عليها السّلام

لا يخفى على من انكشف بوحدة الوجود وتحقق دونه امتداده وسريانه على جميع الموجودات حسب اقتضاء الصفات الذاتية الإلهية فان اقتضاء بعض المظاهر الإلهية شيأ من الكمالات اللائقة له واستدعائه إياه انما هو باعتبار صفة من الصفات الإلهية المندمجة فيه باطنا سيما إذا صدر من النفوس الزكية المقدسة عن الكدورات البشرية المنزهة عن العلائق الناسوتية المتخلقة بالأخلاق الملكية المنتخبة لتحمل أعباء الرسالة المستخلفة عن الذات الإلهية النائبة عنها فيما يتعلق بالمظاهر الارضية ولا شك ان زكريا صلاة الرّحمن على نبينا وعليه من جملة المنتخبين للخلافة والنيابة المنزهين عن غوائل الشيطان وتسويلاته الغالبة في نشأة زكريا عليه السّلام وبالجملة ما حداه وما بعثه وهداه الى طلب الولد الا الصفة الإلهية التي تقتضي الظهور والنزول عن الغيب الذاتي الى عالم الشهادة ولما كان ظهوره موقوفا على طلب زكريا وتحننه لحكمة ومصلحة قد استأثر الله بها لا يطلع عليها الا من خصه بالاطلاع لذلك ناجى زكريا بوحي من الله اليه به وناداه نداء مؤمل صريع على وجه قد انكشف به تحقق مأموله وإنجاح مسئوله حين جذبه الحق عن نفسه وأخرجه عن قيود تعلقاته مطلقا مع انه كان في نفسه قنوطا عن حصول الولد منه ومن امرأته لانقضاء أوانه منها وعقرها الأصلي ثم لما كان صلى الله عليه وسلّم مبدأ جميع مراتب الأنبياء ومجمعها اخبر سبحانه له ما ناجى معه عبده زكريا من استدعاء الولد الذي يخلفه ويحيي به اسمه مع انه من غرائب صنع الله وبدائع مخترعاته التي قد صدر عنه على سبيل خرق العادة إذ لا استعداد لزكريا ولا قابلية لزوجته بحصول الولد منها لانقضاء أوان التوالد من كلا الجانبين فقال سبحانه متيمنا باسمه العلى مخاطبا لحبيبه صلّى الله عليه وسلّم بِسْمِ اللَّهِ الذي قد تجلى على أنبيائه ورسله ببدائع الكمالات الخارقة للعادات الرَّحْمنِ لهم ان يفتح عليهم أبواب المرادات بأسباب السعادات الرَّحِيمِ لهم حيث يوصلهم الى أقصى المقامات وأعلى الدرجات بأنواع الكرامات

[الآيات]

كهيعص يا كافى مهمات مهام عموم الأنام وهاديهم الى دار السّلام بيمن العزيمة العلية وبصدق الهمة الصادقة الصافية عن الكدورات البشرية الصادرة عنك نيابة عنا هذه السورة

ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ الذي رباك كافيا هاديا للمضلين ينبوعا للعلوم الصحيحة الصافية اللدنية الجارية من قلبك على لسانك بمقتضى الوحى الإلهي والهاماته الغيبية عَبْدَهُ زَكَرِيَّا المتوجه نحوه في السراء والضراء المسترجع اليه عند هجوم عموم البلاء وحلول اصناف العناء اذكر يا أكرم الرسل وقت

إِذْ نادى رَبَّهُ نداء مؤمل صريع وناجى معه مناجاة مأيوس فجيع نِداءً خَفِيًّا متمنيا متحسرا مسرا مخفيا في ندائه ليأسه وقنوطه لانقضاء مدة الحمل ووقت حصول الولد ولئلا يلام عند الناس بطلبه هذا وقت الهرم من كلا الجانبين

حيث قالَ مشتكيا الى الله باثا شكواه عنده سبحانه في فحواه رَبِّ يا من رباني بأنواع اللطف والكرم إِنِّي من غاية ضعفى ونهاية هزالي ونحولى وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وقد ضعف دعائم جسمي وقوائم بدني وأشرفت على الانهدام والانصرام وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً اى اشتعل شيب رأسى وذهب سواده بالكلية وانقلب الى البياض المشعر بالانقضاء والزوال مثل ابيضاض النباتات وقت الخريف وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ اى لم أكن انا بدعائى إياك في كل حال يا رَبِّ شَقِيًّا خائبا خاسرا مردودا بل قد عودتني أنت بفضلك وجودك بالاجابة والإنجاح وهذا الدعاء وان كان ابعد

<<  <  ج: ص:  >  >>